ارتبط التصوف والزوايا الصوفية في أذهان كثير من الناس بصور وأنماط تجسد انحرافا عن الدين وحيدة عن سواء السبيل ومرد ذلك إلى: بعض الزوايا الصوفية انغلقت على نفسها وأتباعها ومريديها، وانفردت بطقوس لا تمت للدين بصلة وممارسات تنم عن غلو وجهل فاضحين..غياب الرؤية السليمة للواقع وعدم القدرة على التكيف مع مستجدات العصر وإيجاد مساحات ملائمة للإسهام في بناء الفكر الاسلامي الحديث لذلك كانت الزوايا بالنسبة للكثيرين مجمعا للعباد والمريدين الذين أنبت عبادتهم على التقليد الأعمى والاتباع المجرد دون علم ولا هدى ولا كتاب منير.
ولعل هذه الصورة السلبية حالت دون أن يكون هنالك نوع من التواصل والحوار بين هذه الزوايا وجموع المسلمين أو المهتمين بالشأن الديني على الرغم مما تؤديه من مهام معتبرة على مستوى التربية والسلوك..إلا ان هذه الصورة ليست عامة في كل الزوايا خصوصا في المغرب فقد أسهمت مجموعة من الزوايا على مدار التاريخ في نشر الوعي والتربية السليمة الخالية من أسباب التطرف ومنابت الارهاب أو الهبوط إلى مدارك التبديع والتكفير وغيرها من الشرور والآثام التي ابتليت بها الأمة .
وفي هذا الاطار تبرز الزاوية القادرية البوتشيشية كمعلمة علمية وتربوية باسقة فقد قدمت على مر السنين إسهامات واسعة لتبديد تلك الصورة النمطية التي تحدثنا عنها آنفا فقد صار الملتقى العالمي للتصوف الذي تنظمه الزاوية القادرية قبلة للعلماء والمفكرين والباحثين والأكاديميين والجامعيين والمريدين من داخل المغرب وخارجه..ملتقى يجمع بين أجواء تبادل الافكار والتجارب وأجواء الذكر والسمو الروحي والصفاء الذهني والنفسي.
وقد جاءت الدورة الثالثة عشر المنظمة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس للبحث في المشترك الإنساني كأرضية متفق عليها للحوار ومد جسور التعارف والتعاون بين الشعوب وقد قال فضيلة الدكتور سيدي منير مدير الملتقى أن اختيار موضوع هذه الدورة يندرج في سياق الجهود الى تدريس القيم الإنسانية المشتركة وإفشاء قيم السلام والمشترك الإنساني المتعلق بالقيم الإنسانية الفاضلة التي تجمع بين الشعوب من عدالة ومساواة وأخلاق حميدة وغيرها مما تكون مساحة مشتركة تلتقي من خلالها تجارب الشعوب وحاجاتهم دون النظر في اختلافاتهم العقدية او المذهبية.
لذلك فالمشترك الإنساني مائدة للتعارف والتعاون البناء القائم على المساواة والاحترام والاعتراف بالآخر دون تبخيس أو تقليل..”يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”فالتعارف هو مفتاح العلاقات الإنسانية السليمة والتواصل البناء القائم على الاحترام المتبادل والرغبة في حماية السلم الأهلي والبناء المجتمعي الذي أساسه احترام التعددية والتنوع الفكري والثقافي.
أما غياب التعارف يخلق صورا نمطية مشوهة وغير صحيحة عن الاخر، وبالتالي تنعدم او تقل فرص تكوين المساحات المشتركة.
لذلك فقد وفق القائمون على هذا الملتقى لإثارة وتعميق البحث في هذا الموضوع خصوصا في هذه الفترة التي تمر منها الامة وما يكتنفها من احداث وما يحذق بها من مخاطر وما ألصق بها من صور القصد منها تشويه معالمها وصفائها ووسطيتها (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
وقد اتت فضاء الملتقى العالمي للتصوف اكثر من 115 عالما وباحثا وخبيرا من خارج المغرب وداخله اثروا البحث والنقاش حول هذا الموضوع وخرجوا بمجموعة من التوصيات اهمها:
1. ادراج مؤسسات الزوايا في الفعاليات الرسمية نظرا لإسهامها في ابراز مفهوم المشترك الانساني ضرورة.
2. الدعوة الى انشاء مراكز للبحث لترسيخ قيم المشترك الانساني.
3. ادراج القيم الروحية ضمن البرامج التعليمية والتربوية لتحصين الناشئة ضد الانحراف والتطرف
4. الدعوة الى انشاء جامعة دولية متخصصة في علوم التصوف.
5. اعداد برامج تلفزية للتعريف بالملتقى وابراز الدور الذي تقوم به الزاوية القادرية على المستوى التربوي والعلمي والثقافي في الداخل والخارج.
كما عرفت الامسية الختامية اقامة حفل ديني بهيج تراسه سماحة الدكتور سيدي جمال الدين شيخ الطريقة القادرية البوتشيشية تليت فيه آيات بينات من الذكر الحكيم وانشاد امداح نبوية.
وقد رفعت أكف الضراعة الى العلي القدير بالدعاء لأمير المؤمنين بان يحفظ جلالته بما حفظ به الذكر الحكيم ويقر عينه بولي عهده الامير مولاي الحسن وان يشد ازره بشقيقه الامير مولاي رشيد وان يمطر شآبيب والغفران على الملكين محمد الخامس والحسن الثاني.
عبد الله مشنون
المصدر : www.maroctelegraph.com