الدّاخل للحقيقة كمن دخل بلاد الصحراء الخالية، إما أن يكون عارفاً بالبلاد فهو ناجٍ، وإلاّ يكون دخوله إليها مع أحد من خبرائها فهو أيضاً ناج. ولا يدخلها جاهلاً بها من غير رفقة أحدٍ من أهلها، فهو تالف هالكٌ. صار الأمر : ما ثمَّ إلاَّ عالمٌ بالبلد ناج، وإلاَّ مُتعلمٌ مرافقٌ لعالمٍ بها ناج. وإنَّ كل جاهل مستكفي بجهله هالك، ولا يحل لامرئٍ أن يَقْدِم على أمرٍ حتى يعلَمَ حكم الله فيه.
وأيضاً : قال جلَّ من قائل : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) انظر وتأمل، إن كنت ذا فهم فإنك تجد عِظَمَ الأشياء لا تخرج إلاّ من عظيمها، النور العظيم لا يخرج إلاّ من الظلمة العظيمة، والواسع العظيم لا يخرج إلاّ من الضيق العظيم، والعزّ العظيم لا يخرج إلاّ من الذّلِّ العظيم، والقرب العظيم لا يخرج إلاّ منَ البُعْدِ العظيم، والبَسطُ العظيم لا يخرج إلاّ من القَبض العظيم، والعطاء العظيم لا يخرج إلاّ من المَنْع العظيم، والربحُ العظيم لا يخرج إلاّ من الخُسرانِ العظيم، والجَمعُ العظيم لا يخرج إلاّ من الفَرق العظيم. وكذلك بالعكس في هذه الأمور كلها، وغيرها مما لا نهاية لها. سبحان من جعل الأشياء كلها كامنة في أضدادها بحكمته وقدرته تعالى. سبحان العظيم الحكيم الرؤوف الرحيم.
نصيحة المريد
في طريق أهل السلوك والتجريد