من أفاض الله عليه من صفاته الجميل فتح له جمال المعاني، وحلاوة الإيمان، وحسن خلقه، وزادت هيبته واستغرق في بحر جماله، فلا يرضى العبد بقبيح الفعال وسوء الخصال؛ لئلا يخرج من حضرة الجمال ويكون ذاكيا حتى يأنف بطبعه وذكاء ذوقه كل قبيح، ولا يرضى أن يتدنَّس بحرام قط، او بريح الخلق الذميم ،ومتى أنس بالجمال الإلهي استوحش من الخلق، وعاف شهوات الدنيا ونعم الآخرة، لا يتلذذ إلاّ بشهود الحق سبحانه وتعالى، ولذلك كانت أجلّ نعمة من الله لأحبابه في الآخرة رؤية ذاته عزّ وجلّ، وعلى ذكر الجمال والجلال لا يدخل هذه الحضرة إلاّ من فنى عن نفسه فناءاً تامًّا تنقطع عن العبد إحساسات وجوده إذا جرّدها إلى ربّه، فلا يحس إلاّ بوجود الله فتحصل له حلاوة من الجلال والجمال يغيب فيها دون أن يدري، ولا يوقظه منها إلاّ الله سبحانه وتعالى. وقد يقبض بعض القوم وهم في هذه الحال وهم لا يشعرون. وإذا صحا أحد من هذه الغيبة أدرك أنه أعطي فتحاً وعلماً وأسراراً لم يتعلمها من قبل إنما أودعها الله في قلبه في أثناء غيبته عن نفسه.
ولأُُقَرِّبَ هذا من العقل أقول : إني تعرّضتُ لعمليات جراحية خطيرة وكنت إذا تقدمت إلى العملية أذكر الله بقلبي حتى أغيب متمنياً أني إذا قبضت أقبض في حال الغيبة.
وإذا ما أعطيت البنج زدت غيبة ولم أحس إلا أنني في سكون وهدوء وراحة ليس بعدها راحة في الدنيا والآخرة، وأتمنى أن تطول ساعات الغيبة لأتمتع بالراحة والأمن في حضرة الحق، فإذا صحوت تكدَّرتُ كثيراً فلا راحة إلا مع الله وبين يدي الله واستحضار الله عز وجل استحضاراً يمنع أي خاطر يمر بالبال أو إحساس الإنسان بنفسه.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يذيقنا حلاوة شهود وصدق محبته وعدم الغفلة في حضرته ومنتهى رضاه.
شرح أسماء الله الحسنى
القشيري