آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : المُعْزى في مناقب الشيخ أبي يَعْزى (4)

وكان في ابتداء أمره يُعلم الصبيان ببيسكاون من دكالة بلـد شيخه وكان يتوكأ على عصاه واقفا ولا يجلس حتى تنصرف الصبيان لئلا يبقى عليه من حقهم, ثم بعد ذلك خاف أن يكون بقي عليه حق فتصدق بجميع ما اكتسب. 

ويُحكى عنه: إنه كانت له بقرة، فـرآها يومًا هوت بفيها في فدَّان جاره، فجرى إليـها، وأدخل يده في فِيَّها، فأخرج منه النبات وأمر أن ترد إلى داره ويجمع لها الحشيش ولا تترك تخرج إلى المرعى ثلاثة أيام، وأن يتصدَّق بلبنها في تلك الأيـام بعد أن استحل جاره من الذى هوت بفيها من زرعه. 

ورُوي: إنه زاره أبو محمد عبد الخالق بن ياسين, وأتى إليه بحمل زبيب من جنته فقال له: من أين أتيت بهذا الزبيب؟ 
قال له: من جنتي. 
قال: وبماذا تسقى جنتك؟ 
قال: بنوبتي في الساقية. 
فقال له: يا عبد الخالق رد إليك زبيبك، فإني لا آكل الزبيب الذي يُسقَى بالماء المشترك، فاستيقظ أبو محمد بقوله لباب الورع، فلما رجع استخرج ساقية من الوادي وحده لا يشاركه فيها, أحد أنفق فيها مائة دينار، فكان يسقي بها جنته رضي الله عنهما. 

وكان إذا وقف في صلاة قد لا يحس بشيءٍ، ويطيل القيام وكأنه سارية واقفـة؛ ولذلك قيل له السارية. 

وأما كراماته : لا تُحصى، كان رضي الله عنه يصلى في أغمات عند سيدي عبد الجليل بن ويحلان وأبي محمد المليجي رحمهما الله ونفعنا بهما. 
وذكر السمعاني في الذَّيل له: إنه هو الذي صلَّى على حُجة الإسلام سيدي الغزالي، وذلك أنه قال لهم: إذا أنا مِتّ فكفنوني، وضعوني على سريري على شفير القبر, حتى يأتي رجلٌ بدويٌّ لا يُعرف؛ هو الذي يصلى عليَّ. 
فذكروا أنهم امتثلوا، فبينمـا هم ينتظرون وعدَ الشيخ، وإذا برجلٍ أسمرٍ عليه عباءةٍ، فلما لحقهم قال لهم: سلام عليكم، ثم تقدم فكبر فكبرت الناس. 
فلما سلَّم ذهب من حيث جاء، ولم يتجاسر أحد أن يسأله كذا ذكره ابن الزيات في صدر كتابه, والله أعلم. 

ووقعت له مع عامل أزمور مغربات في سبب الشفاعة، فلما رأى برهانه صار لا يرده البتة، وإذا قيل له أنه أتى يقضي ما جاء فيه قبل أن يلحقه هيبة له رضي الله عنه, وكان مجاب الدعوة. 

وكان يصلى بأغمات, فكان له مؤذن خاص به إذا وقفت الناس يأتي ذلك المؤذن, فيصيح في أذنه بالصلاة, فيستيقظ من غيبته فيوجز ويسلم، وحدَّث عنه الثقاة بذلك فيما نقله ابن الخطيب وابن الزيات وغيره. 

ويحكى عن ولده أبي عبد الله محمد بن شعيب أنه قيل له: حدِّثنا بما رأيت لأبيك من الكرامات، قال: نعم، صلَّى بأغمات عيد الأضحى، وجاءنا بأزمور إثر انصراف الناس من الصلاة، ووجَدَنَا أَرَدْنا أن نذبح له كبشًا لأضحيته، فقال لنا: اذبحوا هذا الآخر. 

ويُحكى عن أبي زكريا بن أبي النور قال: جاءنا أبو شعيب في يوم عيد الأضحى ليسلِّم على أبي بقرية بيلسكاون، وكان من أشياخه فاستأذنا له, فأذِن له الشيخ في الدخول، فلما سلَّم عليه قلنا له: ألا تنـزل عندنا؛ لتصيب من أضحيتنا، فاعتذر لنا وفهمت منه أنه يريد ذبْح أضحيته بأزمور، فتقدَّم ومشيت خلفه ثلاث خطوات، فلم أدر له أثرًا ولا خبرًا، وغاب عن بصري. 

ويُحكى عن أبي محمد عبد الخالق بن ياسين أنه قال: أتيت أبا شعيب, فوجدته بقرية خارج أزمور، فبينما نحن جلوس, وإذا بالأسد أسمع زئيره، فقلت: هذا الأسد ما أتى إلا إلى دوابنا، فقال أبو شعيب: اللهمَّ يا مَنْ ردَّ هذا البحر عنَّا؛ رُدْ هذا الأسد، فانقطع صوت الأسد في الحين، وكان كثير الزيارة لأبي عبد الله بن أمغار وما تركها وهو شيخ كبير. 

ويُحكى عنه: إنه مشى مرة لأبي عبد الله بن أمغار في حاجة، فلما رجعوا قال له الأصحاب: إنا لم نعبر الوادي في ذهابنا وإيابنا، فقال أبو شعيب: ما دعاك إلى السؤال عن هذا؟ إذا انتهى أحدٌ إلى حاجته فلا فائدة للسؤال. 

وكم له من مجاهدات وأحوال وكرامات ومقامات قطعها. 

وتُوفي بأزمور يوم الثلاثاء العاشر من ربيع الثاني من عام إحدى وستين وخمسمائة، وفي هذه السنة تُوفي سيدي عبد القادر الجيلانى رحمهما الله ورضي عنهما. 

صفحة البداية           الفهرس        <<السابق          التالي>>

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية