آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التيسير في التفسير (11)

التيسير في التفسير (11)

ذكر كيفية جمع القرآن 

إن الله تعالى أنزل كتابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضَمِنَ حفظَهُ على أمّته فقال :{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقال تعالى :{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} فكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه آيةٌ أو سورة قرأها على الصحابة، وكان يأمر بكتابتها. ومن المقطوع به أنَّ له كتبةً مُعَدُّون فكان إذا أتمَّ سورةً يخبرُهم بذلك وما كان يكتم شيئاً مما يوُحَى إليه في حَضَرٍ ولا سفرٍ ولا سرٍّ ولا علانية، كان يحثُّهم على حفظ القرآن وتعلمه وتعليمه في قوله صلى الله عليه وسلم : (خيرُكم مَنْ تعلَّم القرآن وعَلَّمَهُ) وغير ذلك. 

فأول جمعٍ للقرآن ما جَمَعَ الله سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ثم كانت الأمة تتعلَّم ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال عليه السلام :(من أراد أن يسمع القرآن غَضاًّ طرياًّ فليقرأ بقراءة ابن أمِّ عَبْد). يعني ابن مسعود. 

وروي عن عبد الله بن عمرو أنه أمره صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن في أربعين فاستزادهُ حتى بلغَ إلى سبعةِ أيام. فلولا أنّ عبد الله بن عمرو كان يحفظُ القرآن وإلا لم يكن لأمرِهِ معنًى. 

وعن الشعبي أنه قال : لم يجمع القرآن على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ستة من الانصار. 

وروى شعبة عن قتادة عن أنس قال : قرأ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أُبيّ بن بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو زيدٍ قال : قلتُ ومن أبو زيد قال : أحدُ عُمومتي. 

ثم لما قُبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه القرآن بين الدّفَّتينِ. 

وذلك ما رُوي عن زيد بن ثابت قال : (أرسل إليَّ أبو بكر رضي الله عنه مقتلَ أهل اليمامة فأتيتُهُ وعنده عمر بن الخطاب فقال أبو بكر : إنّ عمر أتاني وقال : إنّ القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرّاء القرآن وإني أرى أنْ تأْمُرَ بجَمعِ القرآنِ قال فقلتُ : كيف أفعل شيئاً لم يفعلهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : هو والله خيرٌ فلم يزَل يُراجعني حتى شرَح الله صدري للذي شَرَحَ له صدرَ عمر. قال : إنك غلام شابٌّ عاقلٌ لا نتّهمك قد كنتَ تكتبُ الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبَّع القرآن فاجمعهُ قال : فقلتُ كيف تفعلانِ شيئاً لم يفعلْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكرٍ : هو والله خيرٌ فلم يزلْ يُراجعني حتى شرحَ الله صدري للذي شرحَ له صدرَ أبي بكرٍ وعُمر. والله لو كلَّفاني نقلَ جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ من الذي كلَّفاني، قال : فتتبَّعتُ القرآن أجمعُهُ من العُسُبِ والرِّقاع وصدور الرِّجال قال : فكتبتُهُ فكانت الصُّحف عند أبي بكر حياتَهُ وعند عمر حياتَهُ ثم عند حفصةَ بنتِ عُمر). 

ثم الجمعُ الثالثُ : جمعُ عثمانَ أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه، وذلك أنه قُتِلَ جماعة من الصحابة من حفّاظ القرآن وتداعَى النّاس القرآنَ فقال عليّ يا أمير المؤمنين : أَدرِك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتابِ كما اختلفت اليهودُ والنّصارى. 

فأرسل عثمانُ إلى حفصة وقال : أرسلي إلينا بالصُّحُف ننسخُها في المصاحف ثم نردُّها إليك فأرسلتْ الصُّحف إليه فأمر زيداً وعبد الله بن الزبير وسعيدَ بن العاص وعبدَ الرحمن بن الحارث بنِ هشام أن ينسخُوا الصُّحُف في المصاحف فإن اختلفوا في شيء من القرآن كتبوه بلسان قريش فإنّ القرآن نزل بلسانهم ففعلوا ذلك. فردَّ عثمان الصحف إلى حفصةََ واتخد منه أربع مصاحفَ هي الأئمة أحدُها : لليمن، والثاني للشّام، والثالثُ للعراق، والرابع لخراسان. وأمر بإحراق ما سواها من المصاحف وكتَبَ بذلك إلى البلاد يأمرهُم بمحوِ ما سواها. 

وفيما ذكرنا دلالة انتساخ هذه المصاحف مما اتفق عليه أهل العصر وجميع الصحابة في زمان أبي بكر رضي الله عنه حيثُ أجمعوا أنّ الدّفتين قرآنٌ وقيل كان مصحف أبيّ وابنِ مسعود مستوراً وقته كما هو الآن لا يُعمل بهما. 

فإن قيل كيف يكون الاعتمادُ على هذه المصاحف، والصحابةُ قد اختلفوا كاختلاف ابن مسعود وأُبَيّ وعثمان ؟ 

قيل : إنّ الاختلاف فيه في مواضع معدودةٍ، لكلٍّ وجهٌ فيوجد معناه في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم : (أنزل القرآن على سبعة أحرف) وسنبيِّنُ معناه إن شاء الله فيما بعدُ. 

ومثال الاختلاف بين مصحف ابن مسعود وعثمان ما رُوي أن في مصحف ابن مسعود : {إنّ شجرة الزقّوم طعام الفاجر}. 

وهذا يجوز أن يكون روايةً فيه عن النبي قد سمعها ابن مسعود، والذي في الإمام أيضا قرآنٌ. 

وقيل إنّ رجلا كان يقرأ عند ابن مسعود {الأتيم} بالتاء بنقطتين قال ابن مسعود {الأثيم} بالثاء فلم يفهم فقال ابن مسعود : طعام الفاجر ليفهم القارئ أنه بالثاء. 

فإن قيل أليس قد رُوي أن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف قيل ذلك محمول منه على أنها كانتا عنده من القرآن الذي نُسِخَ رسمه وبقي حكمُهُ كآية الرجم ثم كان قولُ الجمهور أصحّ. وأمّا أبيّ فكان في مصحفه : {اللهم اهدنا فيمن هديت} سورةً و {اللهم إنا نستعينك} سورةً وكان يسميه الخَلْع والحُفُود وهذا إن صح منه فمحمولٌ على أنه كان من القرآن فنسخ رسمه وذهب على أُبَيٍّ ذلك. 

وكان أًبيّ – فيما قيل - لا يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه، فإن صحّ عنه ذلك فيحتمل أنه اعتقد أن الكتابة لما يُخاف دُرُوسَه وهذه السورة لكثرة تكرُّرِ قراءتها في الصلاة لا يخاف عليها الدُّروس فلذلك لم تكتب في مصحفه. 

ولقد بلغَ من حفظ الصحابة للقرآن وشدّة عنايتهم بهِ أن يَفصِلوا بين مكية ومدنية ومحكمه ومتشابهه ومجمله ومفسَّرة وأحكامه وقصصه، وأمثاله وخاصه وعامه ومقدَّمِهِ، ومؤخَّرِهِ، وحروفه حتى حفظوا الإمالة والتفخيم في حروفه والإشهام، وغير ذلك مما يدلُّ ويُجب الاعتماد على ذلك، ويوجب القطعَ بأنه الذي اُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدّى به الخلائق. 

ثم هو في نفسه معجزٌ، وفي عَدَمِ ما ينقضُه على مضيِّ الزمان، وفقدان ما يماثله مع كثرة أعدء الدين وشدّة حرصهم على ذلك، أدلَّ دليل وأتمُّ بيان، والحمدلله.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية