ذكرُ ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أنزل القرآنُ على سبعةِ أحرُفٍ ، المِراءُ في القرآنِ كُفرٌ - ثلاثَ مرَّاتٍ - فما عرفتُم منه فاعملُوا ، وما جهِلتُم منه فرُدُّوه إلى عالمِه).[أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى].
ورَوى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ، لِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ ، وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ).
ورُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : «سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ أَوْ بِرِدَائِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا، فَانْطَلَقْتُ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الفُرْقَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ» فَقَرَأَ عَلَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَؤُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ» فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».
وفي رواية قال عمر : (فوقَعَ في صدري شيءٌ فعرف النبي صلى الله عليه وسلَّم في وجهي فضرب صدري وقال : «أبعد شيطانا - قالها ثلاثا - ثم قال : يا عمر إن القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا وعذابا رحمة»).
وروي عن أُبَيّ بنِ كعب قال : (كنتُ في المسجد فدخلَ رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءةً غير قراءة صاحبه فدخلنا جميعا على النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهما النبي صلّى الله عليه وسلّم فقرآ فحسَّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شأنهما.فوقع في نفسي شيء من التكذيب ولا إذا كنتُ في الجاهلية، فلما رأى النبي صلّى الله عليه وسلَّم ما غشِيَني ضربَ في صدري ففِضتُ عرقا كأنما أنظر إلى الله فَرَقاً، فقال يا أُبي : إني أُرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرفٍ فرددتُ عليه أن هوِّن على أمَّتي فردَّ عليَّ في الثانية أن أقرأه على حرف فرددت عليه أن هوِّن على أمّتي فرد علي في الثالثة أنْ اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردَّةٍ رَددتُّكَهَا مسألةٌ تسألينها فقلتُ : اللهم اغفر لأمتي وأَخَّرتُ الثالثة ليوم يرغبُ إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم).
وفي رواية أنه قال : فضربَ بيده في صدري ثم قال : (اللهم أذهِب عن أبيٍّ الشكّ). وفي رواية أنه قال : (اللهمّ اخسأ الشيطانَ عنه).
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قال لي جبريل عليه السلام : اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل : استزِدْه فقال : على حرفين حتى بلغَ سبعة أحرف كلُّها شافٍ).
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (نزل القرآن من سبعةٍ أبواب على سبعةِ أحرفٍ نهيٌ وأمرٌ وحلالٌ وحرامٌ ومحكَمٌ ومتشابهٌ وأمثالٌ، فأحلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه وافعلوا ما أُمِرتُم به وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بمُحكمه وآمنوا بمُتشابهه وقولوا آمنا به كلٌّ من عند ربِّنا).
وقد اختلف النّاس في معنى هذه الأخبار وما المراد بهذه السبعة الأحرف فقال محمد بن جرير الطبري : (معنى ذلك أنَّ القرآن نَزَل بسبعِ لغاتٍ من لغةِ العربِ وذلك أنّ لغات العرب كثيرةٌ فأنزل الله كتابه بسبع لغات توسِعةً على المسلمين حتى لا يشقَّ على من نشأ على لغة فاعتادها أن يتركَ لغته،ويتكلّف غيرَها فربّما ينسى ذلك فيصحّف لغةً أخرى قال : وهذه اللُّغات السبعة تجتمعُ في الكلِمة الواحدة كقولهم : تعالَ وأقبل وهلمَّ وإلي وقصدي ونحوي وقُربي، ونحوَ ذلك، وكذلك رُوي في بعض الأخبار، وذلك مثلُ قولك : هَلُمَّ وتعال).وروى الأعمش عن أنس : أنه قرأ : {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً}فقال له بعض القوم : يا أبا حمزة إنما هي أقوم فقال : {أقومُ} و{أهيأُ} و {أصوبُ} واحد. وكذلك في قراءة ابن مسعود : {إن كانت إلا زَقْيةً واحدة} وفي قراءة الجميع : {إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس : من الآية 29]، وفي قراءته : {طعام الفاجر} وفي قراءة الجميع : {طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان : 44]، وفي قراءة عمر : {فامضوا إلى ذكر الله} وفي قراءة الجميع :{فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة : من الآية 9].
قال رخَّص الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في هذه اللغات السبعِ أنْ يقرأ بسبعة أوجه لأنَّ الستة بطلت أو ضُيِّعت أو نُسِخت ولكنها كانت رخصة للمسلمين فرأى عثمان رضي الله تعالى عنه نوعاً من من الرأي أن يجمع النّاس على قراءة واحدة.
وكان حُذيفة بن اليمانِ لما قدِمَ من غزوةٍ غزاها لم يدخُل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال : يا أمير المؤمنين أدرِكِ النّاس فقال عثمان وما ذاك ؟ فقال : غزوتُ فَرْجَ أرمينية فحضر بها أهل العراق، وأهل الشام فإذا أهلُ الشام يقرؤون بقراءة أُبيّ بن كعب فيأتون بما لم يَسمع أهلُ العراق فيكفِّرهم أهل العراق وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة ابن مسعود فيكفِّرهم أهل الشام فأمر عثمان حتى جُمِع القرآن في مصحف وعُرض عليه وقابله بالصحيفة التي كانت عند حفصة فوافقها فسر بذلك وردَّ الصحيفة على حفصة.
ثم لما مات أُمِرت بغسلها وجمع الناس على ذلك المصحف وأمر بغسل ما سواه، لا أنّه كان باطلا أو القراءة بها لم تكن صحيحة بل جميع ذلك كان حقّا منزولا به، ولكن رأى نوعاً من الرّأي شفقة لأمّته ومنعاً لهم من تخطئة بعضِهم بعضاً، وظنَّ بعض الجهّال أنّ ذلك لاختلافٍ من ذات أنفسهم فأمر الأمة بالاجتماعِ على هذا المصحف الواحدِ غيرَ منكِرٍ لصحّة ما عداه.