القول في جواز تفسير القرآن ومَن الذي يجوز له ذلك وعلى أيِّ شرط يصح ومَن الذي يُجوِّز ذلك.
الصحيحُ أنَّ ما يتعلَّق بالرِّواية واللغة والنّزول، وأنه أين نَزَلَ، وفي أيِّ وقتٍ نزلَ وكذلك القَصَصُ وأسامي الرّجال لا يجوز القول فيه إلا عن نقل صحيح وإسناد متصل يقطع العذرَ إذ ليس للرأي فيه مجالٌ ولا للنّظر إلى استدراكِ معناه سبيلٌ فالوجهٌ فيه الإتّباع والتّقليدُ.
وأمّا ما يتعلّق بالمعاني فيمكن انتزاعه بالاستنباطِ وإعمالِ الفكرِ فيه، فكلُّ من له آلةُ النَّظرِ، وكان عارفاً بأصول الدّين، ومجاري خطابِ العرب فله تأويله، واستنباط معانيه فإن سُبِقَ إليه كان تأييداً له، وإنْ وقع له شيء لم يُسبَقْ إليه كان ابتداءَ فضلٍ من الله سبحانه معه، ولا يكون فيه مخالفة للإجماعِ، وذلك أنّ أحداً من الأمّة لم يحظُر على غيره أنْ يكون القولُ في الآية قولُه فقط بل كلهم وصفوا القرآن بأنه العجيب الذي لا تنقضي عجائبه، والمفيد الذي لا تنقطع فوائُدُه.
وهذا قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لما سُئل هل خصّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فقال : (لا إلاّ مَن أُوتي فهماً في كتاب الله عزّ وجلَّ).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : (إنك لن تفقه كلَّ الفقه حتى ترى للقرآن وُجُوها).
وقد وصف الله سبحانه كتابه بأنه تبيانٌ لكل شيء، وقال في صفة المؤمنين : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء : 83].
وقال : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ }[النساء : 59]يعني إلى كتابه وتدبر معانيه وقال : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ}[ص : 29]. وقال : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء : 82 ] وقال : {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ} [الروم : 58]، ووصف الله كتابه بأنه بيان وشفاء لما في الصدور وإنما يكون ذلك كذلك عند تأمُّل معانيه والوقوف على ما أُدع من العلوم فيه، وهذا ابن مسعود يقول : (من أراد العلم فليثوّر القرآن فإن فيه علمَ الأولين والآخرين).
وعن ابن مسعود أنه قال : (إذا سمعتَ الله تعالى يقول يا أيها الذين آمنوا فأرْعِها سمعكَ فإنها خيرٌ يأمر به أو شرٌّ ينهى عنه). ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عبّاس فقال : (اللهم فَقِّهُ في الدين وعلِّمه التأويل).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهنَّ حتى يعرف معانيهنَّ والعمل بهنَّ). ورُوي أنّ عليًّا رضي الله عنه ولّى ابن عبَّاس على الحج فخطب النّاس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا ثمّ قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسِّرها).
وقال عبد الله بن مسعود : نعم تُرْجمان القرآنِ ابن عبَّاس.
وعن سفيان الثوري أنه قال : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبُك به.
وعن مجاهد : أنه كان يسأل ابن عبَّاس عن تفسيرِ القرآن ومعه ألواحه.