ثم إن القرآن والسنة شاهدان بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف، وذلك علم من غير تعلم. قال الله تعالى : {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس : 6] وقال : {هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} [آل عمران : 138]. وقال : {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال : 29]. قيل : نوراً يفرق به بين الحق والباطل، ويخرج من الشبهات، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يكثر في دعائه من سؤال النور فيقول : "اللهم اعطني نوراً وزدني نوراً واجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً وفي شَعري وبشري ولحمي ودمي". وقال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت : 69]. وقال : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة : 282]. وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [الزُّمر : 22]، فقال : هو التوسعة، إن النور إذا قذف به في القلب اتَّسع له الصدر وانشرح. وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ بمَا عَلِم أورَثَهُ الله عِلْمَ ما لَمْ يَعلَم). وقال : (مَن أخلص لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه). وقال : (اتَّقوا فِراسةَ المؤمن، فإنه ينظر بنور الله). وقال : (إنَّ من أمّتي مُحَدَّثين وإنَّ عُمَر منهم). وقال أبو يزيد : " ليس العالم الذي يحفظ من كتاب الله فإذا نسي صار جاهلاً، إنما العالم الذي يأخذ العلم من ربِّه في أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس". وإلى مثله الإشارة بقوله تعالى : {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف : 65]، كما تقدم فإن كل علم من لدنه. لكن بعضها بواسطة التعليم فلا يُسمى ذلك علماً لدُنِّياً، بل العلم اللّدُنّي الذي ينفتح في سرِّ القلب من غير سبب مألوف من خارج. والشواهد في هذا أكثر من أن تحصى، وأما وقوع ذلك في الصحابة والتابعين ومن بعدهم فكثير. قال أبو بكر لعائشة رضي الله عنها : "إنهما أختاك"، وكانت زوجه حاملاً فولدت بنتاً. وقال عمر رضي الله عنه أثاء خطبته في القصة المشهورة : "يا ساريةُ الجبل". وأمثال هذا كثير، لو استقصيناه لخرحنا عن الغرض بالإطالة.