اعلم أيدك الله تعالى أن السلوك في الطريق المبين والوصول إلى عالم اليقين موقوف على الكامل المرشد الأمين، فإن موسى عليه الصلاة والسلام مع كمال نبوته، وارتفاع درجة رسالته التمس من معلمه الخضر عليه السلام الجد المتابعة في مكتب تعلم العلم اللدني، وقال : {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف : 66].
وقال بعضهم : بالاحتياج في التربية بعد زرع بذر الطلب في أرض القلوب فإنه بتأثير نظر الحق، وعنايته لا غير، فوجود الشوق والطلب في القلب لا يكون إلا بالحق تعالى، ونبينا صلى الله عليه وسلم أراد أن يزرع هذا البذر في قلب أبي طالب فقيل له : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص :56].
لكن إذا وقع ذلك البذر في القلب يحتاج إلى مرشد مسالك لوجوه متعددة منها أن هذا الطريق يحتاج إلى دليل عارف بالطريق كالكعبة، بل الأولى؛ لأن سالك طريقها له نظر يرى به الطريق، وله قوة وقدم يمشي بها بخلاف السالك ليس له نظر ولا قدم ولا قوة، ومنها أن في هذا الطريق السُّرّاق وقطَّاع الطريق مثل الطريق الظاهر، وهي الزخارف الدنيويّة، والنفس، والهوى، والشياطين، وإخوان السوء، فيحتاج إلى دليل صاحب الولاية، ومنها أن في هذا الطريق عقبات مذلات وشُبهات كثيرة لا يمكن الخلاص منها إلا بحماية شيخ كامل، ولهذا وقع الدهري، والطبائعي، والبراهمة، وأهل التشبيه، والتعطيل، والأهواء، والبدع، وأهل الإباحة في الضلالة لانفرادهم في السلوك مما قدروا قطع العقبات والشبهات، فكل منهم وقع في آفة وشبهة وفساد، فضلوا وأضلوا.
ومنها: أن في هذا الطريق وقعات، وفترات من الامتحان، والابتلاء لا يمكن العبور عنها بدون شيخ كامل.
ومنها: أنه يعرض للسالك في الطريق العلل والأمراض من انحراف مزاج الطلب والإرادة، فيحتاج إلى طبيب حاذق لإزالتها بالأدوية الصالحة وإلا فينقطع عن الطريق، ومنها أن مرآة القلب لمَّا صفت يتجلى الروح فيها مجرداً عن الكسوة البشرية، ومتصفاً بالصفات الربانية، فيوجد العبد في هذا المقام وذوق : أنا الحق وسبحاني، فيظن أنه مقام لا مقام فوقه،وما لأحد من الأنبياء والأولياء مقام فوق هذا المقام، فلو لم يكن له شيخ يبين له المقامات، ويكشف له ما فوق هذا المقام، ويرغبه ويشوقه فيه يبقى في مقامه أبد الآباد، ومنه خوف زوال الإيمان، وحصول آفة الحلول والاتِّحاد.
ومنها: أنه يظهر للمريد في الطريق ما يشير إلى الزيادة أو النقصان وغير ذلك من صفاء القلب وكدرته ومعرفة الصفات الذميمة والحميدة، وما علامة الحجب الدنياوية، والأخروية، والأحوال الشيطانية، والنفسانية، والرحمانية، وسائر المعاني الحاصلة من الوقائع التي لا تعد ولا تحصى، والمبتدئ لا معرفة له بها؛ لانها لسان الغيب لا يعرفه إلا أهل الغيب، فيحتاج إلى من يكون مؤيداً بتأييدات إلهية، ومعلماً بتأويلات غيبية حتى لا يكون من تلك الإشارات والمعارف محروماً فيستحيل له معرفة المقامات.
ومنها: أن السلوك في الطريق لا يكون إلا بواسطة الذكر، والذكر لا يفيد إفادة تامة إلا إذا أخده من تلقين مرشد كامل.
ومنها: أن السالك إذا سلك بنفسه لا يقدر على قطع مقام واحد يسنين متعددة؛ لأن سلوكه أضعف من سلوك النمل، وكل عقبة مسافة سبعين ألف عام،وأيضاً يحتاج في بعض المقامات إلى الطيران ولا يمكن له؛ لأنه على مثال البيضة وهي لا تطير إلا إذا صار طيراً، ولا تصير طيراً إلا بتصرف طير آخر، وهو الشيخ الكامل المكمِّل.
فالذي لم يأخد الطريق عن رجاله فهو لا ينتقل أبداً، وإن انتقل بسابق العناية الإنسانية الأزلية، والجذبة الإلهية، فهو انتقال مما هو كالمحال إلى ما هو مثله، فهو مبالغة في كون الانتقال متعسراً، ويمكن الإبقاء على معناه الأصلي، وإن الفرد الموجود كالعدم لندرته.