قيل : من لا ينفعك لحظه لا ينفعك لفظه. وهذا القول فيه وجهان:
أحدهما : أن الرجل الصديق يكلم الصادقين بلسان فعله أكثر ما يكلمهم بلسان قوله؛ فإذا نظر الصادق إلى تصاريفه في مورده ومصدره وخلوته وجلوته وكلامه وسكوته ينتفع بالنظر إليه؛ فهو نفع اللحظ. ومن لا يكون حاله وأفعاله هكذا فلفظه أيضاً لا ينفع لأنه يتكلم بهواه، ونورانية القول على قدر نورانية القلب، ونورانية القلب بحسب الاستقامة والقيام بواجب حق العبودية وحقيقتها.
والوجه الثاني : أن نظر العلماء الراسخين في العلم والرجال البالغين ترياق نافع، ينظر أحدهم إلى الرجل الصادق فيستكشف بنور بصيرته حسن استعداد الصادق واستئهاله لمواهب الله تعالى الخاصة: فيقع في قلبه محبة الصادق من المريدين وينظر إليه نظر محبة عن بصيرة، وهم من جنود الله تعالى فيكسبون بنظرهم أحوالاً سنية ويهبون آثاراً مرضية، وماذا ينكر المنكر من قدرة الله؟ إن الله سبحانه وتعالى كما جعل في بعض الأفاعي من الخاصية أنه إذا نظر إلى إنسان يهلكه بنظره، أن يجعل في نظر بعض خواص عباده أنه إذا نظر إلى طالب صادق يكسبه حالاً وحياة وقد كان شيخنا رحمه الله يطوف في مسجد الخيف بمنى ويتصفح وجوه الناس، فقيل له في ذلك فقال: لله عباد إذا نظروا إلى شخص أكسبوه سعادة، فأنا أتطلب ذلك.