إن الأركان أربعة : ركنان يتعلّقان بالظاهر وآخران يتعلّقان بالباطن، فأما ركنا الظاهر : فأحدهما امتِثال أمر الله تعالى، وقد سمّى حُجَّةُ الإسلام ذلك بالعبادات، وتحت هذا اللفظ يندرج الوظائف الشّرعية، فرْضُهَا ونَفْلُها حَسَبَ المشروح في كُتُبِ المَذهب.
والثاني حِفظُ الآداب في الحركات والسكنات وتحت هذا يندمج الجِنَاياتُ والحُدودُ والمُعاملاتُ على الوجه المذكور في كُتُبِ الفقه، وقد سمّى هذا الفنَّ بالمعاملات.
وأما الركنان المتعلقان بالباطن فأحدهما : تطهير القلب من الأخلاق الذّميمة كالحقد والغضب، والبُخل والحَسَد، والحِرصِ والكِبرِ والعُجْبِ، وسمّاها في كتبهِ بالمُهلِكات. والثاني : تحلية القلب بالأخلاق المحمودة كالصَّبر والشكر، والخوف والرّجاء، والقناعة والوَرَعِ، والتوكل والمحبّة وما يجري مَجراها وقد سمّاها بالمُنجياتِ. وجميعُ علوِمه لا يخرج عن هذا الأركان الأربعة، بل علومَ الخلق كافَّةً لا يكاد يَشُذَّ منها شيءٌ عن هذه الأصول الأربعة.
وها أنا ذا أشيرُ إلى كلِّ أصل منهَا في بابٍ مُفْرَدٍ وأُورِدُهُ بأوْضَحِ عبارة وأسهَل لَفظٍ، وأَحْرَزُ بِجُهدي من إيدَاعهِ الألفاظَ المُنْغَلِقَةَ والكلمات الغريبَة، وأتحفَّظ من إيرادهَا يَغْمُضُ دَرَكُهُ ويَعْسُرُ الوقوفُ عليه، ومن أراد ذلك مَبسوطًا أوْ مَكْسُوًّا بعبارَةٍ رَشيقَةٍ وألفاظٍ غَريبَةٍ، فعليه بكُتب حُجَّة الإسلام أبي حامد فهو المنبع ومنه المأخَدُ، ووَقتي الآن لا يَتَّسع للبَسط، فإن فَسَحَ الله سبحانَهُ في المَهل، ومَنَّ بتأخير الأجل، وأيّد ببسطه يد ولسان، وأمدَّ بصفاء قريحةٍ وجنان، أرَيْتُكَ كَيفَ تُزَفُّ خرائدُ المعارِف في ملابس الشروح والبيان.
جعل الله الْتِمَاسَكَ أيُّها الأخ العارفُ، وإجَابَتي إيَّاك بهذه اللطائف خالصًا من الريَّاء والتكلُّفِ، وجَذَبَ بِصَنيعِنَا عن وَرْطَةِ التعمُّق والتعسّق، ووفَّقَنا لكلِّ خير نَشرَهُ إليه ونأمَلُ أن يحتوي عليه، واستَعْمِلنَا فيما يُرضيه ويُزلفُ لَدَيْهِ، فإليه المَلجَأُ وعليهِ الاعتماد، وأعوذ بالله من الخَطَلِ في القولِ والعمَلِ، وألوذُ به من مذلّة القدم والتَّلطخ بوَصِرِ الزّلل.