آخر الأخبار

جاري التحميل ...

المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - 12

ومن صفاتك أيضاً الافتقار الذاتي وهذا إن صورنا وجودك بحيث فرضنا كأنك موجود فيكون ذلك الوجود مفتقراً افتقاراً كلياً ذاتياً بحيث لا إثبات له إلا بإثبات موجوده وإلا تلاشى من حينه، ومع هذا كله أي مع عدم العبد وفنائه وافتقاره قد تصدر منه المماثلة للحق تبارك وتعالى ونفي الوحدة ،ولهذا قال الناظم رحمه الله : وأن يماثل ونفى الوحدة، وذلك إذا أثبت لنفسه وجوداً مع وجود الحق، وكذلك نفى وجود الوحدة التي يستحيل نفيها حيث أثبت وجودين، وجود الحق ووجود نفسه، فأين التوحيد يا هذا وأين التفريد فهذا إشراك في طريق القوم {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} وهذا ذنب لا يقاس بمثله، وقد قيل إن رابعة العدوية رضي الله عنها تلاقت مع بعض العارفين فسألته عن حاله فقال لها : (سلكت مسلك الطائعين فإني لم أذنب منذ خلقني الله، فقالت ويحك يا ولدي وجودك ذنب لا يقاس به ذنب)، فاسلك يا أخي مسلك الموحدين ولا تثبت وجوداً لما سوى الله من المخلوقين، فإن القوم إذا أثبت أحدهم وجوداً لنفسه فقد أشرك بالله وحاشاه من ذلك، لكن العموم لا نجاة لهم من إثبات الوجود لما سوى الله وفي إثباته إثبات جميع المصائب.

ومن أوصاف العبد أيضاً العجز لأن القدرة لله عزّ وجلّ لا حظ فيها لما سوى الله ولو كان مَلكاً مقرباً أو نبيًّا مرسلاً، فكل ما سوى الله عاجز لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعاً إلّا ما شاء الله {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} فتحقق بعجزك يمدك بقدرته.

ومن أوصاف العبد أيضاً الكراهة : وأما الإرادة فوصف من أوصاف الحي عزّ وجلّ فإن وصفت نفسك أيها العبد بها فقد وصفت ربّك بضدها إذ لا حظ لك فيها ولا مطمع في أمثالها، فكن عارفاً بقدرك وإلا فتسقط من عين ربّك، فمن سلب الإرادة لله عاش في أمان، ومن نازعه فيها حبس في ضدها، يقول الحق عزّ وجلّ : (يا عبدي أنتَ تُريد وأنا أُريد، إذا سَلمتَ لي فيما أُريد تكفلتُ لك بما تُريد، وإذا نازعَتني فيما أُريد أتعبتكَ فيما تُريد، ولا يكون إلا ما أُريد) فاترك الإرادة لله ولا تختر فعلاً مع فعل الله، فسلب الإرادة من شأن العارفين ومنازعة القضاء وصف الجاهلين المتغافلين، ففي أول ابتداء المريد تكون له إرادة وذلك توجهه لله عزّ وجلّ ونهايته الإرادة لله، فالإرادة ابتداؤهم وإليها انتهاؤهم، ومن كانت له إرادة مع الله في انتهائه فقد ضلّ عن سبيل ربّه، فاعرف يا أخي صفتك التي هي الكراهة، وكن موافقاً لصفة الله التي هي الإرادة كما قال بعضهم :

سَلِّمْ لِسَلمى وسِرْ حَيثُ سارتْ       وَاتَّبِعْ رِياحَ القَضَا ودُرْ حَيثُ دارتْ

ومن أوصاف العبد أيضاً الجهل : فأنت أيها العبد جاهل بنفسك وبأصلك،فكيف تطلب معرفة ربك ؟ فكان من حقك أن تطلب معرفة نفسك وتتحقق بأصلك، ثم تلتفت لما سوى ذلك، فأنت لا تدري من أنت ولا من أين أتيت ؟ وإنما وجدت نفسك في هذا المظهر فصرت تنهض هاهنا ومن هناك تفر، وغاية معرفتك لنفسك تقول إنني من العدم ولم تدرِ ما العدم كأنك جعلت للعدم عالماً يخصه قد أقبلت منه ثم تعود إليه، فإذا كان هكذا فقد جعلت للعدم وجوداً حيث جعلته شيئاً قال عليه الصلاة والسلام : (كان الله ولا شيء معه) فلا عدم في الوجود، فإن أثبت شيئاً مع القدم فلا معرفة لك ولا علم لديك، فأنت جاهل ، وجاهلٌ جهلَكَ، فاطلب من يأخد بيدك وينهض بك لحضرة ربك، فحينئذٍ يصير وهمك فهماً وجهلك علماً.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية