وأما أبو النور فاسمه : سيدي عبد الله بن وكريس الدكالي من مشزاية.
قال ابن ازيات : إنه مات أخوه فتزوج امرأته، فأتت له بطعامٍ يأكله، فوجد في نفسه أن فيه نصيب الأيتام الذين هم أولاد أخيه، فأمسك عن الأكل وبات طاوياً وفي هذا المعنى أنشدوا :
إذَا طَالَبَتْكَ النَّفْسُ يَوْمَ بِشَهْوَةٍ وَكَانَ عَلَيْهَا لِلخِلافِ طَرِيقِ
فَدَعْهَا وَخَالِفْ مَا اشْتَهَيَتْ هَوَاهَا عَدُوٌّ وَالخِلاَفُ صَديقُ
ويحكى عن أبي زكريا بن أبي النور : إن شيخ مشزاية يليسكاون أتى إلى عبد الله محمد بن وكريس، فقال له : إن عامل علي بن يوسف هدَّدني بالقتل والصلب، وقد خرج من مراكش إلى دكالة. فقال له أبو ىالنور : ردَّه الله عنك، فصار العامل إلى أن بقي بينه وبين قرية يليسكاون نصف ميل، فأصابه وجع قضى عليه من ساعته، وأراح الله البلاد، والعباد منه.
وأما أبو محمد سيدي عبد الجليل بن ويحلام؛ تقدَّم ما فيه من خلافٍ في ويحلام أنه لَقَبٌ له، والله أعلم ذكره الإسكندري في نبذته.
وهذا الشيخ قد اشترك في صحبته مع أبي يعزى، فإن أبا شعيب لقيه كما لقي سيدي عبد الله بن وكريس، وكان هذا الإمام من أهل العلم والعمل.
استوطن أغمات وبها تُوفي عام إحدى وأربعين وخمسمأة هجرية.
كبير الشأن، رحل إلى المشرق، فلقي به الشيخ أبا الفضل الجوهري، فأخد عنه هذا الشأن شيخاً عن شيخ بالسند المتصل لأبي ذر الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان رضي الله عنه يدرس بأغمات وريكة ثلاثين سنة محتسباً لله لا يأخد على ذلك شيئاً، ولا يسأل أحداً، حتى بلغت به الفاقة أن ولدت زوجه، ولم يكن له إلاّ كساءًا واحدًا، فقسمه نصفين أعطاها النصف، ولبس هو النصف، وهذا هو الزهد ولم يتغيَّر قلبه ولا أهمه من ذلك شيئًا، لأنه اعتقد طريقة أبي ذر الغفاري.
وأما شيخه الجوهري فقد كان في ثروةٍ عظيمةٍ كما سنذكر في ترجمته.
ويُحكى عنه : إنه كان يسكن بالكراء، فاكترى من رجل دارًا بعشرة دنانير للسنة، فاجتمع عليه في كراء عشرة سنين مائة دنانير، فأتى رجلاً مما كان يحسده إلى صاحب الدار، وقال : من أين يعطيك عبد الجليل مالك عليه وليس عنده شيء ؟ فبلغه ذلك وأهمه، فرأى في تلك الليلة في منامه الملك الجليل جل جلاله؛ كأنه أوقفه بين يديه، فقال له : ما أهمك يا عبد الجليل ؟ فقال : يا رب أنت أعلم.
فلما أصبح، وإذا بداقٍ على الباب فخرج في الظلام، وإذا برجل ناوله صرَّة وانصرف ولم يقف له، ولا يدري من يكون، فإذا فيها مائة دينار، فدفعها لصاحب الدار، وعلم حينئذٍ أنه له ربًّا لا يضيعه.
ثم أنه حجَّ، ورجع ولم يعلم به أحد، فلزم بيته، وانقطع لعبادة ربه، فكان لا يخرج إلا من الجمعة إلى الجمعة، فكان الناس يقفون له من باب داره إلى باب المسجد يتبرَّكون به، ويتمسَّحون بأثوابه، ويسألونه الدعاء حتى ما يبلغ داره إلى العصر؛ لكثرة ما يحبسه من الخلق للدعاء والتبرُّك.
وقام بعض الحسّاد للقاضي فقال : ما ترى هذه البدعة التي يصنع عبد الجليل ؟
فقال : وما الذي صنع ؟ فقال : إن الناس يجعلون من باب المسجد إلى باب داره صفَّين يتمسَّحون بأثوابه، ويتبرَّكون به، ويدعوا لهذا ويمسح رأس هذا.
وكان القاضي تقيًّا علمًا، فقال له : يا ابن زرقون مُر أنت وافعل كفعله، واجمع الناس عليك.
فقال له : لا يتأتَّى لي، ولا يعبأ الناس بي، فقال : وما تريد أن أصنع في رجل وضع الله له القبول في قلوب الخلق، ألم تسمع يا ابن زرقون أن الله عز وجل يقول : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا }.