آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : المُعْزى في مناقب الشيخ أبي يَعْزى (6)

وكان إذا أفض من تدريس الفقه قال لخواص أصحابه: تعالوا حتى نخوض في أمور العلم، ويتكلم عليهم في علوم المعاملة، وأسرار العلوم والمعارف والحقائق. 
وكان ذا كرامات وآيات نفع الله به. 

ويُحكى عنه: إنه كانت طائفة من أهل أغمات يسيئون به الظن، ويتكلَّمون فيه؛ فاشترى رجلٌ جبة ملف بعشرة دنانيرٍ، ووهبها له، فجعلها في طاق على باب داره، فمرَّ به نصرانيٌّ فرماها له، فانتقدوا عليه أولئك، ووجدوا للنقد سبيلاً، وعظم الأمر على الواهب. 

فما مرت على النصراني إلا سبعة أيامٍ من لبس الجبة، حتى أسلم وحسن إسلامه وظهرت حقيقة إشارته. 

ويُحكى عنه أنه قال: أقمت ثلاثين سنة ما اجتمع عندي مد مع مد أوقال صحفة مع صحْفةٍ. 

ويُحكى عنه أنه قال : وجاهدت إبليس ثلاثين سنة إلى أن تبدَّى إلي، وقال لى: والله لا تعرضت لك بعد هذا اليوم، لقد أعييتني، فقال له: والله لا آمنك بعد اليوم حتى ألقى الله تعالى، قال له: وهذه أعظم علي مما حاربتك عليه. 

ويُحكى عنه أنه كانت له في غرفته حصيرةٌ يصلِّي عليها، وسليخةٌ ينام عليها؛ أعني: هيدورة.  قالت زوجته: ولنا ولدان؛ سالم وعبد الدائم، فصاح عليَّ يومًا، أو قالت: ليلة، وقال لي: مَنْ صعد إلى الغرفة؟ فلم أدر مَن صعد فيها، فسألت سالِمًا، فقال لي:أنا صعدت، فقلت له: ماذا صنعت ؟ قال لي: نمت على السليخة فاحتلمت. فقلت لعبد الجليل: لما سألتني عن صعود الغرفة ؟فقال لي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لما قرب منها رماها برجله فعلمت أنه حدث بها أمر، فقلت له: إن ابنك سالِمًا نام عليها، واحتلم فأمر بها فغسلت رضي الله عنه.
وأما أبو الفضل الجوهري واسمه: عبد الله بن بشر، وكان إمام وقته عِلمًا وعَمَلاً وحالاً، وكان ذا همّة وثروة في الدنيا، وكان مَنْ لا يعرفه لا يظنه إلا من أبناء الدنيا في لباسه وهيأته. ويُحكى عن بعض الفقراء ممن كان يقرأ القرآن بالسبع أنه سمع به وهاجر إليه بنية الزيارة، فلما بلغ إلى مصر وقد بلغ به النصب والتعب الغاية، فلما دخل عليه في لفيف الناس؛ فوجده على ذلك اللباس وبساط عظيم عليه الناس جلوس، فقال في نفسه: سبحان الله ! هذا ابن الجوهري الذي صار بحديثه الركبان، وإن في كل بلدة يذكرونه، وأنهم يقولون هو إمام الزمان ! لقد ضاعت والله سفرتي وخاب سعيي. 
ثم خرج بتلك النية، فمر في بعض أزقة مصر وإذا بامرأة تصيح بأعلى صوتها: وا مصيبتاه! وا عظيم كرباه! فأشفَقْتُ عليها وأتيت إليها وقلت: ما لكِ أيتها المرأة ؟ قالت لي: يا سيدي كانت لي بُنَيَّةً، وأبوها من أشراف الناس، فربَّيتها جهدي واعتنيت بها حتى أدركها الاحتلام، فخطبها رجلٌ من صالح المسلمين، ورأيت أنه كفؤٌ لها، فزوجتها منه والليلة ليلة الزفاف فأصابها عارض من الجن فأفسد عقلها وهى لا تملك من أمرها شيئًا ولا حيلة لي أنتعشها. فقلت لها: هنئي روحك، أنا لها إن شاء الله حتى أستخلصها من ذلك الجان بحول الله وقوته. فذهبت قدامي وأنا على أثرها حتى بلغت دارًا عاليةً، واسعةَ الأفنان، عجيبةَ الأركان، فقالت لي: انتظرني. فلما دخلت قالت: ادخل فصعدت إلى غرفة عجيبة. فإذا بفرشٍ عجيبة، وأوصاف من أراد الزفاف، فكشفت لي الستارة على البنت وإذا بها بارعة الجمال وهى تقلب عينيها  ورأسها يمينًا وشمالاً مما حلَّ بها من أمر الجانّ. 
فقرأت عليها عشرة آيات من القرآن بالقراءات السبع، فتكلَّم الجان بلسانٍ فصيحٍ فسمعه القاصي والداني، وقال : يا أبا بكر لا تفتخر علينا بقراءة السبع، وإن كنت شيخ وقتك، ونحن سبعون صنفًا من الجن ممن أسلموا على يد علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وأتينا جماعة نصلي الجمعة وراء هذا الشيخ الصالح العالم العارف أبو الفضل الجوهري الذي احتقرته أنت واستصغرته ولم تعرف حقه. فتُب من استحقارك إيَّاه، واعرف قدره ومنـزلته عند الله فقلت له: بحق هذا السيد الجليل إلا ما خرجت من هذه البنت، فقال لي: نعم، سمعًا وطاعةً. وإذا بالبنت رجعت لعقلها واستحيت مني وأرخت عليها خمارها في الحين. فبقت تدعو لي وتقول لي: سَتَرْتَنَا سَتَرَك الله في الدنيا والآخرة. فجددت حينئذ نيّة أخرى، وخرجت لزيارة الشيخ فلما دخلت عليه قال لي لما أقبلت عليه: مرحبًا بمن لم يصدقنا حتى أعلمه الجان بنا. 
قال: فسقطت مغشيًّا علي، فلما أفقت عاهدت الله ألا أفارقه وأجاوره؛ أقتبسُ من أنواره، وأغترفُ من أسراره، فلازمته في بعض زوايا زاويته. 

صفحة البداية           الفهرس        <<السابق          التالي>>

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية