قال أبو الحسن علي بن عبد الرحيم : دخلت يومًا على النوري فرأيت رجليه منتفختين فسألته عن أمره قال: طالبتني نفسي أكل الثمر أمنعها فتأبي فاشتريت لها تمرًا، فلما أن أكلت قلت لها: قومي حتى تصلي، فأبت فقلت لها: لله علي أن أرقد على الأرض أربعين يومًا. فما قعدت حتى استوفيتها.
ومن كلامه رضي الله عنه : التوبة أن تتوب من كل شيء دون الله تعالى أوقال: سوى الله تعالى. وقال: الخائف يهرب من ربه إلى ربه عز وجل. وقال: الرضا سرور القلب بمرور القضاء.
وحكايته مع السيَّاف لما أمر بضرب أعناق الصوفية حين سعى بهم غلام الخليل مشهورة. وكراماته أكثر من أن تحصى.
ويُحكى عن أبي نصر السراج أنه قال : كان سبب موته أنه سمع منشدًا ينشد هذا البيت.
مَازِلْتُ أَنْزِل مِنْ وِدَادِكَ مَنْـزِلاً تَتَحَيَّرُ الألْبَابُ عِنْدَ نُزُولِه
فتواجد وهامٌ في الصحراء، فوقع في أجمة قصب، وبقي أصولها كروؤس السيوف، فكان يمشي عليها، ويعيد البيت إلى الغداة، والدم يسيل من رجليه، وهو لايحس بشيء، ثم وقع مثل السكران ومات رحمه الله تعالى.
قال أبوعبد الله الفرغاني : كان الجنيد والنوري رضي الله عنهما يُسميان ببغداد: طاووسَاي العُبَّاد. فمكث النوري عشرين سنة يأخذ من بيته كل يوم رغيفين، ويخرج ويمضي إلى السوق، فيتصدَّق بالرغيفين، ويدخل إلى المسجد، فلا يزال راكعًا ساجدًا حتى يكون وقت السوق فيدخل الحانوت. فأهله يظنون أنه تغدَّى في السوق، وأهل السوق يظنون أنه تَغدَّى في داره.
وروي أن: سائلاً سأله يومًا عن أحوالٍ وقعت له في الوجد والسماع فقال:
كَانَ مِنِّى الكُلُّ فَالكُلّ فَانيًا وَإِنْ كَانَ مَن بِالْوَجْدِ أُخْبِرُ
فأجابه أبو الحسين رضي الله عنه :
إِذَا كُنْتَ فِيمَا لَسْت بِالوَصْفِ فَانِيًا وُقُوفَك بِالأَوْطَانِ عِنْدِي تَحَيَّرُ
ورُوي : إن من غريب ما اتفق له مع جماعة الشيوخ أنهم اجتمعوا في دار ابن أبي خثيمة ببغداد على سماع، وفيهم : الجنيد، وأبو محمد رويم، وابن مسروق، والجريري إلى أن مضى من الليل بعضه، أوقال: جُلَّه، وفيهم النوري فلم يتحرك منهم واحدٌ ولا أثَّر فيه القول. فقال النوري : يا أبا القاسم، هذا السماع يمر مَرًّا ولا أرى وجهدًا يظهر. فقال الجنيد: يا أبالحسين ﴿وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَة وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: 88].
وأنت يا أبا الحسين ما أثَّر عليك ؟ قال: ما بلغت مقامي في السماع. فقال: الجنيد وما مقامك في السماع ؟ فقال: الرمز إليه، والإشارة دون الإفصاح، والكناية دون الإيضاح، ثم وثب وصفَّق بيديه، وأنشأ يقول:
رُبَّ وَرْقَاءٍ هُتُوفٍ فِي الضُّحَى ذَات شجوٍ صَرَخَتْ فِي فننِي
فَبُكَــائِي رُبَّمَا أَرّقهـــــا وَبُكَاءُهَـا رُبَّمَـا أَرقنــِـي
وَلَقَـدْ تَشْكُو فَمَـا أَفْهَمُهَـــا وَلَقَـدْ أَشْكُو فَمَا تَفْهَمُنِـي
غَيْرُ أَنِي بِالْجَـوَى أَعْرِفُهَـــا وَهِيَ أيضًا بِالْجَوَى تَعْرِفنِي
فقام جميع من حضر لقيامه ساعة من الليل.
وروي عنه: إنه سُئل عن أدب المعرفة، فقال: لاتصل إلى حواشي المعرفة حتى تخوض إلى الله عز وجلّ سبع بحارٍ من نيران، بحرٍ بعد بحرٍ، فعسى بعد ذلك تقع لك أوائل بدء عمل المعرفة.
ثم أنشد لنفسه:
إِلَى اللهِ أَشْكُو طُولَ شَوْقِي وَحِيرَتِي وَوَجْدِي بِمَن عَزَّت عَلىّ مَطَالِبُه
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الذِّي فِيه رَاحَتِي وَمَا آَخِرُ الأمرِ الذِّي أَنَا طَالِبُه
وقال علي بن عبد الرحمن: رأيت النوري رضي الله عنه قائمًا عند باب الكعبة يحرِّك شفتيه كأنه يسأل شيئًا ثم أنشد يقول:
كَفي حُزنًا أَنْ أُنَادِيكَ دَائِمًا كَأَنِّي بَعِيدٌ وَكَأنَّكَ غَائِبُ
وَأَسْالُ مِنكَ الفَضْلَ مِن غَيْرِ رَغْبة وَلمَ أَرَ مِثْلي زَاهِدًا فِيْكَ رَاغِبُ