الأول والآخر و الظاهر والباطن : حظوظ الأولياء في أربعة أشياء : الأول والآخر والظاهر والباطن، فمن فني منها بعد ملابسته إياها فهو الكامل، وبيانه : من كان حظه من اسمه الظاهر لاحظَ عجائب قدرته، ومن كام حظه من اسمه الباطن شاهد ما يجري في السرائر، ومن كان اسمه الأوَّل كان شغله في السوابق، ومن لاحظ ما صار في الآخر صار مرتبطاً بالمستقبل.
هو الأول بكشف أحوال الدنيا حتى لا يرغبوا فيها، والآخر بكشف أحوال الآخرة حتى لا يشكّوا فيها، والظاهر على قلوب أوليائه حتى يعرفوه، والباطن على قلوب أعدائه حتى ينكروه.
الدنيا والآخرة : إن الله خلق إبليس كلباً من كلابه، وخلق الدنيا جيفة، ثم أقعد إبليس على آخر طريق الدنيا، وأول طريق الآخرة، وقال له : كلُّ من مال إلى الجيفة سلَّطتك عليه.
- من اختار الدنيا على الآخرة يغلب جهله علمه، وفضوله ذكره، ومعصيتُه طاعتَه، ومن اختار الآخرة على الدنيا يغلب سكونه كلامه، وفقرُه غِناه، وهمُّه سرورَه، وقلبُه محبّته، وسرُّه قربَه، فتصير نفسه مقيَّدة بقيد الخدمة، وقلبه أسيراً لخوف الفرقة، وسره مستأنساً بأنس الصحبة.
الذكر : ذكر الله باللسان غفلة.
- سئل : من أيش تهتز الرجال ؟ قال : تقدر أن تسعى عشرين وثلاثين سنة في طريق الصدق حتى تعلم ما تهتز منه الرجال، فمنذ متى قمت من تحت التخيخ تريد أن تعلم ما تهتز الرجال من أي شيء.
- لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالًا لله أن أذكره.
- ما ذكروه إلا بالغفلة، ولا خدموه إلا بالفترة.
- نظرت فإذا الناس في الدنيا متلذذون بالنكاح، والطعام والشراب، وفي الآخرة بالمنكوح والملذوذ، فجعلتُ لذتِي في الدنيا ذكر الله عز وجل، وفي الآخرة النظر إلى الله عز وجل.
الذلة : نويتُ في سرِّي، فقيل لي : خزانتنا مملوءة من الخدمة، فإن أردتنا فعليك بالذلة والافتقار.
رضا الله : إن أعطي عبداً من عباده رضاه، فما يرجو بقصور الجنة.
السوى : جمعتُ أسباب الدنيا كلها فربطتها بحبل القنوع، ووضعتها في منجنيق الصدق، ورميتُ بها في بحر الإياس، فاسترحت.
- طلبتُ قلبي ليلة من الليالي فلم أجده، فلمّا كان في السحر سمعتُ قائلاً يقول لي : يا أبا يزيد هو ذا تطلب غيرنا.
العبودية : مجرى طريق العبودية لله تبارك وتعالى ومنازلتها على ثلاثة أوجه : عام، وخاص، وخاص الخاص، فأما مجرى حفظ عبودية العوام فعلى خمسة أوجه : أولها عبد مذنب مريب غير تائب، قد غرَّته الدنيا، فاغترَّ بها ونسي الآخرة، ورضي بحطام الدنيا، فهذا عبد متى هاب من ربه لا يعرف حق ربه بحفظ حرمته، وهو عبد لا سوء لا يخاف من الله، ولا يخون الوعد والوعيد، فإن تاب تاب الله عليه، وإن مات على غير توبة، فهو في مشيئة الله، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له، فهو عدل منه. وعبد مُراءٍ بعلمه يريد محمدة الناس له، وحسن الثناء عليه، مجتهد في العبادة والخدمة لله عزّ وجل، ويريد بها العز عند الناس، والشرف والذكر في الآفاق قد رضي من الآخرة بالدنيا، ومن الدنيا بثناء الناس، فهذا عبد خاسر غافل. وعبد مطيع لله تعالى في تأدية حقه، سامع له، مؤدٍّ لفرائضه، مجتنب للمعاصي كلها، متباعد عن الآثام، متابع لأمر الله عزّ وجل، مُقتدٍ بسنّة رسول الله، فهذا عبد ناصح لله ولنفسه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وهو محمود عند الله وعباده، قائم على حفظ العبودية لله، مستقيم عليها. وعبد راغب في أعمال البرّ مقبل في إقامة التطوع بعد أداء الفرائض، كثير النوافل، طالب للخيرات، بائع دنياه بآخرته، يحمل أيامه في طاعة الله، فهذا عبد عامل الله تعالى طالباً للثواب، ملتمساً رضاءه، راغبًا فيما عند الله، تابع لأنبيائه ورسله، فطوبى له. وعبد يجتهد في ارتياد مرضاة الله تعالى، مؤدِّب لنفسه، قائم عليها باستخراج العيوب منها، صاحب اجتهاد وسهر وتفزع، مخالفًا لنفسه غير متّبع هواها،فهذا عبد صالح يحفظ حق عبودية معبوده. وأما مجرى الخاص والعام فعلى خمسة أوجه : عبد تائب إلى ربه، نادم على ما ضيع من امر ربه، مقبل إليه بقلبه، هارب من الخلق إليه، وعبد حزين خائف، قد عرف الوعد والوعيد، راجٍ راغب، صادق مستقيم، شاكر لآلاء الله، راضٍ بقضائه متنعم به، وعبد زاهد في كل ما يشغله عن ربه عز وجل، قد ولى وجهه عن الدنيا وأقبل على الآخرة، قانع بعطيته، ساكنٌ قلبه إليه، يريد الأنس والزلفة لديه لا يريد من الدنيا والآخرة غيره.