شَمْسٌ ظَهَرَتْ فِي أَفْلَاكٍ بَهِرَتْ
اعلم أنَّ الوجود كله شيء واحد، وذلك هي واحديَّةُ الحقِّ تعالى.
فالحقُّ هو الوجود المُطلق، ومن هنا يتجلَّى عليك سبحانه في كلِّ موجود.
لأنَّ الوجود من حيث الوجودِ لازِمٌ لكلِّ الموجود بل هو عينه.
إذ لا فرق بين الوجود والموجود إلاَّ في الفَهْوَانِيَّةِ، وعلى الحقيقةِ هو عَيْنُهُ.
فالحقُّ عينُ كلِّ شيءٍ، وهو الواحدُ على تعدُّدِ الأشياء، وما أحسنَ قولُ القائل :
وما الوجهُ إلّا واحدٌ غيرَ أنَّهُ إذا أنتَ عدَّدْتَ المَرَايا تَعَدَّدَا
بَدَا فالجِهاتُ السِّتُّ تَحْسَبُ أنَّها سِوَاهُ ولَوْلاَ الوجْهُ لَمْ يُبْدِ ما بَدَا
فمتى لم تعرفِ الوجود بهذه المعرفة لم يتجلَّ عليك الحقُّ فيها، وبقيتَ وراءَ حُجُبِ الأكوانِ.
ومتى ما لم تعرِفِ الحقَّ ولمْ تَشهَدْهُ في الوجودِ كُلِّه بل في الموجودات بل في كل معنى وصورة وحُكْمٍ ورُوحٍ وجسمٍ إلى غير ذلك ممَّا تَعْلَمُ وتَشْهَدُ لم تعرِفْ نَفسَكَ.
ومتى لم تعرف نفسَك لم تَعرف ربَّك.
فمعرفتكَ للوجود أنَّه للحقِّ كالصورة للمعنى أو كالجسم للرُّوح، شَهِدْتَ المُرَادَ.
فإنك إذا شهِدْتَ أنَّ الوجود مَظْهَرٌ والحقُّ ظاهرٌ فيه تترقَّى إلى شهود الحقِّ تعالى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ في مظاهِرِهِ.
وبهذا الشُّهودِ تَرتقِي إلى وجودِهِ فيكَ لكَ عنكَ.
وبهذا الوجود تعرِفُ نفسَك بالإلهيَّةِ الكبرى فتتجلَّى صفاتُكَ من باطِنِكَ إلى ظاهِرِكَ.
وبهذا التَّجلِّي تعرِفُ ربَّكَ الذي هو عينُ نَفسِكَ، فتكونُ ممَّن عَرَفَ نفسًهُ بأنَّه رَبُّهُ، فعرَفَ رَبَّهُ بأنَّهُ نَفْسَهُ.
وبهذه المعرفَةِ تُعْطي كلَّ صفةٍ من صفاتِكَ في الإلهيَّةِ حقَّها حالَ كونكَ مُتحَقِّقًا بسائِرِ الأسماءِ الكماليَّة والصِّفاتِ الجماليَّة والجلاليَّة والمراتِبِ الحقِّيَّة والخَلْقِيَّةِ.
وبهذا التَّحَقُّقِ تَنفرِدُ في وُجودِكَ لكَ فتتجلَّى بذلك في ذاتك بالتَّجَلِّيِّ الذَّاتِيِّ، ثمَّ تُخاطِبُ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر : 16] فتُجيبُكَ وَحْدَانِيَّتُكَ {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم : 48].