يحكى عن أبان بن عياش، أنه قال : خرجت يوماً من عند أنس ابن مالك في البصرة، فرأيت جنازةً يحملها أربعة من الزنج، ولم يكن معهم رجل آخر، قلت سبحان الله، سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها أحد فلأكونن خامسهم، فمضيت معهم فلما وضعوها بالمصلى، قالوا لي : تقدم، قلت: أنتم أولى به، قالوا كلنا سواء، حتى دفنوه، وصليت عليه، وقلت لهم : ما القصة ؟ فقالوا : أكرتنا تلك المرأة، قال : فقعدت حتى دفنوه، فلما كان بعد ساعة انصرفت تلك المرأة وهي تضحك، فدخل في قلبي من ذلك شيء، فقلت لها: لا ينجيك إلا الصدق، أخبريني إيش القصة، فقالت : إن هذا ابني، ما ترك شيئاً من المعاصي إلاّ فعله، فمرض منذ ثلاثة أيام فقال لي : يا أماه، إذا مت فلا تُخبري بوفاتي جيراني فإنهم لا يحضرون جنازتي ويشمتون بموتي، واكتبي على خاتمي لا إله إلا الله محمد رسول الله، واجعليه في كفني فلعلَّ الله تعالى يرحمني، وضعي رجلك على خدي وقولي : هذا جزاء من عصى الله تعالى، فإذا دفنتيني فارفعي يديك إلى الله تعالى وقولي إني رضيت عنه فارض عنه.
فلما مات فعلت جميع ما أوصاني به، فلما رفعت يدي إلى السماء سمعت صوته بلسان فصيح : انصرفي يا أماه، فقد قدمت على رب كريم رحيم غير غضبان، فإنما ضحكت من هذا.