إخواني ! اعلموا أن الشيطان يحزن طويلا عند الطاعات، وله مكائد فهو لا يقصر في إبطال الطاعات، ويوسوس في النفوس حب الثناء، والتعظيم، والإعجاب، والتكبر، ودعوى علو الدرجات، واتباع الهوى فمتى أنعم الله عليكم بأعمال البر فتحرزوا من الشيطان، وراقبوا الله أن تلتمسوا بالدين عرضاً من الدنيا، وتلتمسوا الثناء، والتعظيم بأسباب الدين، فما أخلق ذلك أن يمحق أعمال العباد.
وبعد : فمتى ابتليتم بالمدحة، والتزكية فلا تعجبوا بذلك، فإنه ضرار بالدين، وإذا سبق السرور بالمدحة إلى القلب، فلا تصروا على ذلك، وردوا السرور بالعلم، بضرر التزكية في الدين، وردوا بالكراهية المدحة واستعيذوا بالله من شر التزكية. فما يؤمنكم أن تكونوا من الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم .
وبعد : فإنه بلغنا أن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة من رأى الناس أن فيه خيراً، ولا خير فيه، وعسى المسرور بالمدحة أن يكون من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وما يشعر. فراقبوا الله سبحانه، وجاهدوا أنفسكم عل نفي السرور، إذا بليتم بالمدحة حتى توافوا يوم القيامة، وتعاينوا الذي لكم عند الله فإما سرور دائم في دار الكرامة، وإما حزن طويل في العذاب الأليم، أعاذنا الله تعالى، وإياكم من ذلك برحمته.