جاء أحد المريدين الى الشيخ محي الدين بن عربي فقال له :
إن الناس لا يصدقون طريقتنا.
فقال الشيخ: اذا طلب منك احد حجة لمعرفة هذا الطريق فاسأله: كيف تعرف ان العسل حلو المذاق ؟ .
فاذا قال : قد ذقته وبالذوق يعرف.
فقل له : وكذلك التصوف لا تعرفه حتى تذوقه.
والحقيقة أن الذين سكروا بتذوق نعيم التصوف، وتعلقوا بثمار حدائقه الغناء، وغرقوا في بحار لطفه وكرمه سبحانه متأملين عظمة الله سبحانه ورحمته بخلقه، لن يجدوا فرصة للتعريف بما يجدون في أنفسهم.
ولو وصفوا لقالوا: إن هذا الطريق طيب المذاق، ثماره طيبة، فمن كان منكم رشيدا فليأت ليكون له حظ في هذا النعيم المقيم والفرح الدائم.
يَقُول الْعَلامَة الإِمَام الكلاباذي واصفا لمقاماتهم وأحوالهم : « هم من سبقت لهم من الله الحسنى ، وألزمهم كلمة التقوى ، وعزف بنفوسهم عن الدنيا ، صدقت مجاهداتهم فنالوا علوم الدراسة ، وخلصت عليهم معاملاتهم فمنحوا علوم الوراثة ، وصفت سرائرهم فأكرموا بصدق الفراسة ، ثبتت أقدامهم وزكت أفهامهم ، وأنارت أعلامهم ، فهموا عن الله ، وساروا إلى الله ، وأعرضوا عما سوى الله ، خرقت الحجب أنوارهم ، وجالت حول العرش أسرارهم ، وجلت عند ذي العرش أخطارهم ، وعميت عما دون العرش أبصارهم ، فهم أجسام روحانيون ، وفي الأرض سماويون ، ومع الخلق برانيون ، سكوت نظار ، غيب حضار ، ملوك تحت أطمار ، أنزاع قبائل ، وأصحاب فضائل ، وأنوار دلائل ، آذانهم واعية ، وأسرارهم صافية ، ونعوتهم خافية ، صفوية صوفية ، نورية صفية ، ودائع الله بين خليقته ، وصفوته في بريته ، ووصاياه لنبيه ، وخباياه عند صفيه ، هم في حياته أهل صُفته ، وبعد وفاته ، خيار أمته ، لم يزل يدعو الأول الثاني ، والسابق التالي بلسان فعله ، أغناه ذلك عن قوله ».
وقال العارف بالله العلامة الإمام القشيري : « جعل الله هذه الطائفة-أي الصوفية- صفوة أوليائه ، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم ، وجعل قلوبهم معادن أسراره ، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره ، فهم الغياث للخلق والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق ، صفاهم من كدورات البشرية ، ورقاهم إلى محال المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية ، ووفقهم للقيام بآداب العبودية ، وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف ، وتحققوا بما منه سبحانه وتعالى لهم من التقليب والتصريف ، ثم رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصدق الافتقار ونعت الانكسار،ولم يتكلموا على ما حصل منهم من الأعمال أو صفا لهم من الأحوال».
قال الإمام العلامة الأصولي أبو حامد الغزالي : « وهم المتأهلون المثابرون على ذكر الله تعالى وعلى مخالفة الهوى ، وسلوك الطريق إلى الله تعالى بالإعراض عن ملاذ الدنيا . وقد انكشف لهم في مجاهدتهم من أخلاق النفس وعيوبها ، وآفات أعمالها ما صرحوا بها ».