النفس والروح
ومنها : فالروح والنفس شيء واحد، نوراني من عين النور، والله أعلم - أيها الفقير - وما تثنى أي : عاد اثنين إلا لاتصافه بوصفين وهما الصفاء والكدر، والأصل هو الصفاء، والفرع هو الكدر. فإن قلت : كيف ذاك - أيها الفقير - ؟
قلت : ما دامت الروح على صفائها وحسنها، وبهائها، وجمالها، وشرفها، وعلوها، وارتفاعها، وهي لا يصدق عليها إلا اسم الروح، وإذا تركت ما هي عليه من الصفاء والحسن، والبهاء، والشرف، والعلو، والارتفاع، وتكدرت بمفارقتها لوطنها، وبسكونها لغير أحبتها، صدق عليها إذ ذاك اسم النفس، وتسمى بحسب مراتبها الدنية أمّارة، ولوّامة، وغير ذلك، كما تسمى أيضاً بحسب مراتبها العلية، وهي كثيرة غاية، وقد قيل : إنّ لها من النقائص ما لله من الكمالات.
فإن شئت - يا أخي - أن ترجع إلى وطنك الذي جئت منه، وهو عالم الصفاء، وتترك عنك وطن غيرك وهو عالم الكدر فافعل.
فإن قلت : كيف أفعل ؟
قلت : انسلخ من عالم الكدر كما تنسلخ الشاة من جلدها، وانسه ولا تذكره قط، فإن نورانيتك - إن شاء الله - تتقوى، أي : تَرِدُ عليك المعاني بجيوشها العظيمة القوية الشديدة، ثم تحملكَ سريعاً إلى وطنكَ، ولعن الله من كذب عليك، لكن جرِّب إذ في التجريب علم الحقائق، ولا شكّ أن الروح لا يعلم حقيقتها إلأ الله، إذ لها من الأسرار ما لا يُعدُّ ولا يُحصى، كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم حين سأله اليهود لعنهم الله عن حقيقتها، فلم يعرفها، بل عجز عنها، أي : عن حقيقتها، وقد قالوا حين أرادوا أن يسألوه : إن أجابنا فليس بنبي وإلا فهو نبي، فإذا به لم يجاوبهم حتى علَّمه الله ما يقول لهم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا شكّ أن العجز وصف العبد، والعبودية هي الشرف، فلذلك مدح الله نبيه بها إذ قال في كتابه : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}، ولم يقل : بنبيه، ولا برسوله، ولا بغيرهما، إنما اختار له اسم العبد، لأن الشرف هو العبودية، وقد قيل : إن للنفس سرًّا ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلا على فرعون فقال : {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} والسلام.