اعلم أنَّ هذه الرُّوح، أي روح الإنسان، جاءت من عالَمِ الراحة، وهو عالَمُ الروحانية، وهو في أعلى علّيين. والجسَد جاء من عالَمِ التَّعبِ، وهو عالَم البشرية، وهو أسفل سافلين وجمعهُما الحق بحكمتِهِ وقُدرتهِ، فكانَ بشراً سَويّاً.
ومن حكمته تعالى أيضاً : أنْ جعل الرّوح ضد الجسدِ، والجسدِ ضدَّ الروحِ، ولكن حتماً يكون الحُكمُ للأعلى على الآخر فإذا كان الحكمُ للجسد على الرّوح، كان صاحبه أبداً في تَعبٍ ومشقة، لأنَّ الجسدَ جاءَ من عالَمِ التعبِ، فتتعَبُ الروح من أجله، لأنها حكمُهُ، وإذا كان الحكمُ للروح على الجسد كان صاحبه في راحة من التَّعبِ، لأن الروح جاءت من عالم الراحة، فيرتاح الجسد من أجل الرّوح، لأنَّ الحكم لها على الجسدِ، فهو تحت يدها.
من أجل ذلك صار في راحةٍ لراحتها، فصار الإنسان كله : له عَالَمَانِ : عَالَمُ الراحة، وهو عالم الرّوح، وعَالَمُ التَّعب، وهو عالم الجَسَدِ.
العامَّة غلبَ عليهم عالَم أجسادهم، فصاروا متعوبين أبداً. والخاصّة غلبَ عليهم عالمُ أرواحهم، فصاروا في راحةٍ أبداً.
العامّة لا ينقلب حكمُ أجسادهم لأرواحهم إلاّ بعد موتهم الحسيّة. والخاصّة انقلَبَ حكم أجسادهم لأرواحهم قبل موتِهِم الحسيّة، أعني الآن. والأمر اكثر ممّا يصف الواصفون سبحان من خصَّ الخصوص، وعمَّ العموم بحِكمتِه.
نصيحة المريد في طريق أهل السلوك والتجريد