وإلى تَمامه أشار الشيخ بقولهِ : (ولَا أَجِدُ) في باطني، من فرحٍ أو حزنٍ أو قبضٍ أو بَسطٍ، أوغيرُ ذلكَ من الوُجدانيَّاتِ الباطنية. (وَلَا أُحِسُّ) من حضرِّ أو بَردٍ، أو ليونةٍ أو حرُوشةٍ أو غير ذلك، من المحسوسات الظّاهرة. (إِلَّا بِهَا) : أي بعَينِ بحرِ الوحدة، وعَبَّرَ بهَا عن الذَّاتِ العالية، فيكون فعله كلّه بالله، ومن الله، وإلى الله. وهذا هو المُعبَّر عنهُ بمقامِ الفناء. ويُمكنُ أن يريد بعَينِ بَحرِ الوحدةِ، مظهر الإنسان. فبَحر الوحدة؛ هو البحر المحيط. كما قال الله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}. وعينُ ذلك البَحر هوَ وجود الإنسان، لأنّه جَوهرَة الصَّدَفِ، ولبّ الكائنات، فإذا عرفَ الله فيه، وغرقَ في بحره، فقد عرفَ الله في غيرِه، مَنَ عَرَفَ نَفْسَهُ، عَرَفَ رَبَّهُ، فتأمَّل.
ثم رجع إلى مقام الفناء فقال : (وَاجْعَلِ الْحِجَابَ الأَعْظَمَ). وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلّم. وقد تقدَّمَ من قوله : (وَحِجَابُكَ الأَعْظَم)، أي : واجعل شهودكَ الحاب الأعظم. (حَياةَ رُوحِي). أي : سبب حياتها؛ لأنّ من غرقَ في بحر الوحدة، وأنكر الواسطة، وأثبتَ الحكمةَ، وأبطل الشريعة، فتزندقَ وألحدَ، وماتت روحُهُ،. ومن أقرَّ الواسطة، وأثبت الحكمةَ، حيث روحهُ، وبقيتْ منَعَّمة في حضرة الشهودِ، على نعْتِ الهِبَةِ والأَدَبِ، مع المالِك المعبود، فيكون باطنه يشاهد القدرة، وظاهرهُ يشاهِدُ الحِكمة. أو تقول : باطنُه حُريّة، وظاهره عبوديّة. أو تقول : باطنهُ جَذْبٌ، وظاهرُهُ سُلُوكٌ. أو تقول : باطنُهُ حقيقة، وظاهره شريعة. فهو الذي تكون روحُه حية باقية، لا تفتر ولا تَبِيدُ حتَّى ترد يوم المزيد.