واعلم إنَّ إنكار الواسِطَة، قَد يطرق بعض المريدين عند استشرافهم على الفَناءِ في الذّاتِ، وعند الجذبة الأولى، لكن لاَ يدُومُ ذلِكَ، إلّا لِمَن ليسَ لهُ شيخ، أو خرج عنه قبل التَّرشيد. وأمَّا ما دامَ في حضانَةِ الشيخ، فلا بدَّ أن يُخرِجهُ إلى البَقاءِ، كما يخرجُ فصل الشتاء بدخول فصل الربيع، وفصل الرَّبيع، بدُخولِ فصل الصًّيف، وهكذَا.
والمُراد بالواسطة : القبضة النُّورانية التي تكثفَت وبرزَتْ منَ الجبروت، وسُمِّيَتْ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم. فمَن أَلحَقَهَا بِأَصلِها، ولم ينظر إلى حكمةِ إظهارِها، أنكَرَ الواسطة، وكانَ ناقصًا أو ساقطًا، ومن نظرَ إلى حكمَة إظهارها، وأنها ثابتة بإثباته، مَمْحُوَّة بأحدية ذاتهِ، أقرَّها بالله، وأقام بحقوقها، وهي أحكام الشريعة، فلا بدَّ مِنْ إثباتِهَا وُجُودًا، والغَيبَة عنهَا شهودًا. والواسطة من عين المَوسُوط. فمَن وقفَ مع الواسطة، وحُجبَ عن الموسوط، كان جاهلًا بالله، غيْر عارف بهِ، ومن حُجبَ بالواسطة عنِ الموسوط، فإن كان مجذوبًا غائبًا، كان ناقصًا، وإن كان صاحيًا كان ساقطًا. ومَن جمعَ بينهما كانَ محقّقًا كاملًا، وبالله التوفيق.