آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح صلاة القطب ابن مشيش لابن عجيبة - 15

ولمّا طلب حياة روحهِ، بشهودِ ظاهرِ الحجابِ الأعظَمِ؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم؛ طلبَ تصفيتها، حتى تنقلبَ سِرًّا بشهودِ باطنهِ عليه السلام. وهو روحه فقال : (وَرُوحَهُ سِرَّ حَقِيقَتِي) أي : واجعل شهود روحِهِ، سببَ سرُّ حقيقتي، أي : سببَ انقلاب روحي سرًّا، فحقيقة الإنسان هيَ رُوحُهُ.

والحاصلُ : أنّ النظر إلى ظاهره عليه الصلاة والسلامُ يُفيد تحقيق الشريعة؛ وهو سبب حياة الرُّوح، حتَّى تكون سِرًّا، بعد أن كانتْ نَفْسًا، ثم عَقْلًا، ثمَّ قَلْبًا، ثمَّ رُوحًا، فإذا تهذَّبَتْ صارتْ سِرًّا، وأما النظر إلى جُمْلَتِهِ عليه الصلاة والسلام يَعْني ظاهرِهِ وباطِنِهِ، فيفيدُ تحقيق الحقيقة، وبها يكون تصفية السِّرِّ، وإليه أشار بقوله : (وَحَقِيقَتَهُ وجَامِعَ عَوَالِمِي) أي : واجعل شُهود حقيقتِهِ كلها، بظاهِرِها وباطِنِها، بجمع عَوالِمي الباطنية؛ وهو العلم والفَهْمُ، والفكرُ والعقلُ، والنظر والاعتبار، فتكون عوالمي كلها منحصرةً في الحقيقة المحمديَّة؛ وهيَ القبضة الجَبَروتية، أو المظهر الجَبَروتي، مع النظر إل الجَبروت الأصلي، كما يأتي بعدَهَا.

والحاصل أنَّ ظاهرَهُ عليه السلام مُلكٌ، وباطنَهُ مَلَكُوتٌ والجمعُ بينهما جَبَروتٌ. فطلَبَ أولاً النظر إلى مُلْكِ ظاهِرِهِ عليه السلام، لتحقيق شريعته. وطلَبَ ثانيًا النَّظَرَ إلى ملَكوتِ باطِنِهِ عليه السلامُ؛ لتحقيق طريقتهِ، فتكون سُلَّمًا لإشراق نور حقيقته، وطلبَ ثالِثًا النَّظَرَ إلى جبَرون جُملته عليه السلامُ، لتكمل حقيقتهُ. وإن شئتَ قلتَ : طلبَ أوَّلًا بقولِهِ : واجْعَلِ الحِجَابَ الأَعظَمَ، حياة رُوحي - الاقتداءَ بظاهِرِهِ. إذْ هو سبَبٌ لحياةِ الرُّوح حِسًّا ومعنًى؛ وهو محلّ التشريع، فيكون كلامُ الشيخ حينئذٍ على حَذْفِ مُضافَيْنِ. أي : واجعل شُهودَ ظاهِرِ الحِجاب الأعظم، لكن إذا أُطلِقَ الكلامُ، إنَّما ينصرف إلى الظَّاهرِ، فلا يحتاج إلى تقدير المُضاف الثاني، وطلب ثالثاً بقولهِ : وروحه سِرَّ حقيقتي الاقتداء بباطنهِ عليه السلامُ. وهو محلُّ تصفية الرُّوح. إذ كلُّ من نظرَ إلى باطنه عليه السلامُ ورأى ما كان عليه من كَمالِ الأخلاق، انجَرَّ إلى الاقتداءِ بهِ عليه السلام. وهو عمل الطريقة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية