آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الشيخ والإذن الإلهي عند الصوفية

الإذن لغة 

أذِنَ : استمع، نحو قوله : و{أَذِنَتْ لِرَبِّهَا وحُقَّتْ} [الانشقاق : 2]، ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه السماع، نحو قوله : {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة : 279]، والإذن والأذان لما يسمع، ويعبر بذلك عن العلم، إذ هو مبدأ كثير من العلم فينا قال الله تعالى :{ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} [التوبة : 49].

الإذن في الاصطلاح الصوفي

يعرفه فخر الدين الرازي : الإذن على أقوال : الأول : الإذن هو الأمر. الثاني : التخلية والإطلاق وترك المنع بالقهر والإجبار. الثالث : بمعنى العلم. 

ويعرفه أبو الحسن الشاذلي : الإذن :هو نور ينبسط على القلب يخلقه الله فيه وعليه ، فيمتد ذلك النور على الشيء الذي يريد فيدركه نور مع نور أو ظلمة تحت نور. 

يعرفه محمد أبو المواهب : الإذن : هو التمكين من الشيء المأذون فيه، فإن انضاف إليه القول فهو الأمر. وفي باطن الحقيقة هو نور يقع يقع في القلب فيثلج له الصدر ينفرد به الخاصة. وليس بحجة لفقد العصمة. وقد يطلق الإذن فيراد به : إذن المشيئة العامة لجميع المكونات، وهو رد الأشياء إلى مشيئة الله تعالى في الحركة والسكون، بمعنى : أن لا تتحرك ذرة ولا تسكن إلا بإذنه. 

ويعرفه السيد الشيخ محمد الكسنزان : الإذن : هو رمز لارتفاع صوت الحق في باطن العبد ليدعو القلب إلى الحضور من عالم الغفلة إلى مواجهة الحضرة.

أولياء الله والإذن الإلهي

يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني : الأولياء في بدايتهم لا يتحركون ولا يسكنون إلا بالإذن الإلهي الصريح في قلوبهم حتى إذا وصلوا مرتبة الأمناء التي ينفرد فيها كل واحد بحالهن اعطوا التمكين في أمورهم فلا يعودون بحاجة إلى الإذن الإلهي، لأنهم فنوا في الله فأصبحوا بالله يسمعون وبه يبصرون وبه يتحركون وبه يسكنون، ويضيف أيضاً : أولياء الله عز وجل متأدبون بين يديه، لا يتحركون حركة، ولا يخطون خطوة إلا بإذن صريح منه بقلوبهم وقد ينقلون إلى حالة بعد أن جعلوا الأمناء وخوطب كل واحد منهم بالانفراد في حالته {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}[يوسف : 54]، فلا يحتاجون فيها إلى إذن، لأنهم صاروا كالمُفوض إليهم أمرهم فهم في قبضته حيث ما ذهبوا في شيء من أمورهم.

ويقول أبو بكر الواسطي : من هو مأذون له الإذن التام، إن قام قام بإذن وإن قعد قعد بإذن، فجريان الحركات فيه منه تظهر سوابق المأذون له فيه. 

ويقول الشيخ أحمد زروق : الولي يكون مشحونا بالعلوم، والحقائق لديه مشهودة، حتى إذا أعطي العبارة كان كالإذن من الله تعالى في الكلام.

ويقول ابن عطاء السكندري : من أذن له في التعبير، فهمت في مسامع الخلق عبارته.

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن محمد : الإذن ينقسم إلى : تكليفي : وهو عام. وإلى تصريفي : وهو ما كان بوارد الخبر. وإلى تعريفي : وهو ما كان من طريق المحادثة والتكلم، وليس في ذلك مزاحمة للنبوة ولا مخالفة لما وردت به، لكون الولي في ذلك على حكم التبع والموافقة لا حكم الاستقلال والمخالفة.

فالشيخ المربي المرشد الكامل هو المعني بوصف الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره للأمناء، فإنه المأذون بشكل مطلق من جهة الحق تعالى في التصريف والتمكين، قال تعالى : {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[ص : 29] فالشيخ المربي حين يبلغ مرتبة الفناء في الله يكون قد سقط عنه وصف الاثنينية أي : (هو والله) بل تذوب الهو الفردية بالهو الكلية، وتتماهى كما يتماهى النور في النور فلا تبقى غير هوية الحق تعالى التي لا هوية غيرها على سبيل الحقيقة.

الشيخ المربي المأذون

الإذن يكون من الحضرتين: الأحدية والمحمدية، أي من الله ورسوله، ثم الإذن من الشيخ.

فقد سئل الشيخ الوزاني عمن ادعى أن الله ورسوله أذنا له في تربية الخلق، وأنه يتكلم في جميع أحواله بإذن الملك الحق، فأجاب رحمه الله: "أما دعوى الإذن من الله ورسوله في تربية الخلق فلا غرابة فيها إذا صدرت من أهلها وقضت القرائن الحالية والمقالية بصدقها، وقد ادعى ذلك غير واحد، كالجيلاني والشاذلي رضي الله عنهما وغيرهما من الأكابر المسلم لهم في علم الباطن والظاهر، وشواهده من الكتاب والسنة كثيرة مذكورة في كتب القوم".

يقول الإمام الشعراني: "ومن شروطهم أن لا يجلسوا في مقام المشيخة إلا إن أجلسهم أستاذهم أو نبيهم من طريق كشفهم الروحاني، أو يجلسهم ربهم بما ألقى إليهم في سرهم من طريق الإلهام الصحيح".

ويقول أبو عبد الله الساحلي في معرض حديثه عن من انتصب للتلقين وتصدى للمشيخة ما نصه: "وتخلص من نفسه على يد وارث آخر حتى صار على بينة من ربه، وأهله الله لهداية غيره، وخصصه بالقوة المقتضية ذلك، وحصل له الإذن الصحيح الصريح في ذلك من قدوته، ومتى قصر عن هذه الأوصاف فهو معلول".

ونصوص الصوفية في اشتراط الإذن كثيرة نظرا لخطورته فهو -أي الإذن- شهادة على أن الشخص مؤهل لسلك الإرشاد لا رغبة منه في التربع على ذلك المنصب استجابة لداعية هواه، ثم إن هذه الشهادة تعطي حصانة للمتصدر للمشيخة فقد "نص الأئمة على أنه يُلَّبس على من لم يخدم الشيوخ أو لم يأذنوا له وإن كان صحيح الحال، فيقع ويوقع في مهاوي الهلكة وأودية الضلال، فليس كل من ثبت تخصيصه كمُل تخليصه".

كما أن هذا الشرط يُطَمئِن المريدين عمن يأخذون سلوكهم وتربيتهم حتى لا يقعوا في شراك المدعين "لأن الشيخ إذا لم يكن عارفا بطريق السلوك ودواء المريدين وجلس يربي المريدين بما يأخذه بطريق الكتب طلبا للرئاسة أهلك نفسه وأهلك من تبعه..".
إذن "فالإذن أساس التوفيق والهداية وحصانة للشيخ وللمريدين".

لكن الإذن المعتبر عند السادة الصوفية، هو الإذن: من الشيخ لمريده بأنه مؤهل لتربية المريدين، أما الإذن من الله ورسوله فيصعب التحقق منه لكثرة المدعين، وربما قد يلتبس على الشخص وهو لا يشعر فيظن أنه أهل لذلك المنصب فيَهلك ويُهلك من معه.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية