آخر الأخبار

جاري التحميل ...

سر الأسرار ومظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار - 16


الفصل التاسع عشرفي بيان الوجد والصّفاء



قال الله تعالى : {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّه} [الزُّمَر : الآية23]،وقال الله تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚفَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} [الزُّمَر : 22]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَات الحَقّ تُوازي عَمَلَ الثَّقَلَين). وقال علي كرّم الله وجهه : "من لا وجد له لا دين له".

قال الجنيد البغدادي : الوجد في مصادفة الباطن من الله واردٌ يورث سروراً وحزناً.

فالوجد على نوعين : وجد الجسمانية، ووجد الروحانيّة.

فالوجد النفسانيّة : ان يتواجد بقوّة الجسم بغير قوّة الجذبة الغالبة الرّوحانية مثل الريّاء والسّمعة والشّهرة، وهذا القسم كلّه باطل لأن اختياره غير مغلوب ومسلوب، ولا يجوز الموافقة بمثل هذا الوجد.

وأمّا وجد الروحانية : بقوّة الجذبة بمثل قراءة القرآن بصوت حسن، أو شعر موزون، أو ذكر مؤثر، فلا يبقى للجسم قوّة واختيار، وهذا الوجد روحانيّ ورحمانيّ فيستحب موافقته، وإليه إشارة في قوله تعالى : {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[الزُّمَر : 18/17]، وكذا صوت العشّاق والطّيور وألحان الأغاني، فكل ذلك قوّة للرّوح لا مدخل للنفس والشيطان في مثل هذا الوجد، لأن الشيطان يتصرف في الظّلمانية النّفسانيّة ولا يتصرّف في النورانيّة الرّوحانيّة، لأنه يذوب فيها كما يذوب الملح في الماء، وكذا في الحديث لأنه قال قراءة الآيات وأشعار الحكمة والمحبّة والعشق والأصوات الحزينة قوّة نورانيّ للرّوح. فالواجب أن يصل النّور إلى النّور، وهو الرّوح كما قال الله تعالى : {وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النُّور : 26].

أما إذا كان الوجد شيطانيًّا ونفسانيًّا فلا يكون فيه نور، بل يكون ظلمانيًّا وكفرًا، والظلمة تصل إلى الظُّلمانيّ وهي النفس فيغري بجلسته كما قال الله تعالى : {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النّور : 26] وليس للرُّوح فيها قوّة.


فحركات الوجد نوعان : اختياريّة واضطراريّة.

فالأولى الحركات الاختياريّة : كحركة الإنسان الصّحيح ليس في جسده ألم ولا مرض ولا سقم، فهذه الحركات غير مشروعة كما مرّ.

والثانيّة الحركات الاضطراريّة : وهي التي تحصل بسبب آخر مثل قوّة الرّوح، فلا تقدر النفس على منعه؛ لأن هذه الحركات غالبة على حركة الجسمانية مثل حركة الحمّى، فإذا غلبت الحمّى عجزت النفس عن تحمّلها، فلا اختيار لها حينئذٍ.

فالوجد إذا غلبت عليه الحركات الرّوحانيّة يكون حقيقيّا ورحمانيّا.
والوجد والسّماع آلة محركة كما في قلوب العشاق والعارفين.
والوجد طعام المحبّين، ومقوّي الطّالبين.

وقيل : "إنّ السماع لقوم فرض ولقوم سنّة ولقوم بدعة" الفرض للخواص، والسّنة للمحبين، والبدعة للغافلين، ولذلك كانت الطّيور تقف على رأس داود عليه الصّلاة والسّلام لاستماع صوته.

وحركة الوجد على عشرة أوجه : بعضها جليّ يظهر أثرها في الحركات. وبغضها خفيّ، يظهر أثرها في الجسد كميل القلب إلى ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن بالصّوت الحسن، ومنها البكاء بالتألّم، والخوف والحزن، والتأسُّف والحيرة عند ذكر الله تعالى، والتجرّد والنّصرة، والتغيّر في الباطن والظّاهر، ومنها الطّلب والشّوق، والحرارة.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية