كان زعيمًا لأكبر الطوائف البوذية التى تعتنق «الأفكار الكونفشيوسية» فى دولة فيتنام، قبل أن يدخل نور الإسلام قلبه، من خلال الصوفية، ليصبح واحدًا من كبار المفكرين فى الوقت الحالى، إضافة إلى عمله مدرسًا فى مجال البيولوجيا فى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
هو الفيتنامى ميشيل تاوتشان، الذى التقته «الدستور» على هامش فعاليات الملتقى العالمى الـ١٣ للتصوف بالمغرب، وأجرت معه هذا الحوار الذى تحدث فيه عن ملابسات انتقاله من البوذية إلى الإسلام على يد أحد كبار شيوخ الطرق الصوفية فى المغرب.
■ كيف تركت ديانتك البوذية واعتنقت الإسلام؟
- كان الأمر صعبًا كثيرًا، خاصة أننى كنت زعيمًا لأكبر الطوائف البوذية، وينظر أتباعها إلىّ باعتبارى قدوة لهم فى كل شىء، ودخولى الإسلام بالنسبة لهم كان أمرًا خطيرًا، لأننى بذلك أنكرت البوذية وصدقت الإسلام، وهذا يُعتبر اختراقًا لقوانين وتقاليد الديانة البوذية، لكنى صبرت ودعوت الله كثيرًا أن يثبتنى ويقف بجانبى، واعتنقت الإسلام على يد شيخ الطريقة القادرية البودشيشية بالمغرب، إحدى الطرق الصوفية الكبيرة فى العالم.
هذا الأمر حدث عندما رأيت شيخ الطريقة السابق سيدى حمزة القادرى البودشيشى فى فرنسا وتعرفت عليه، فوجدته هو وأتباعه يذكرون الله فى مجالسهم الصوفية، وينشدون القصائد، فحدث لى انجذاب لما يقومون به من طقوس دينية جميلة، فطلبت منه أخذ العهد الخاص بطريقته، فقال لى لكى تأخذ العهد أولًا يجب أن تدخل فى الإسلام.
وبالفعل دخلت فى هذا الدين الحنيف وشهدت «أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله»، وأصبحت مريدًا فى حضرتهم، أذكر الله بقلبى وبجسدى وبروحى، حتى يكرمنى الله بفضله الكثير وخيره العميم.
■ لماذا اعتنقت الإسلام من خلال الصوفية تحديدًا.. هل كانت مصادفة؟
- ليست مصادفة إطلاقًا، الصوفية أهل صفاء ومحبة، فمنذ أن انضممت لهم وتعرفت عليهم لأول مرة فى فرنسا، وهناك أخوة صادقة معهم، فهم يعاملوننى كواحد منهم، وشيخ الطريقة نفسه الشيخ جمال الدين القادرى يعاملنى كابن له، وهذا ما شدنى وجذبنى أن أدخل إلى هذا الدين الحنيف عبر الصوفية تحديدًا وليس عبر التيارات الأخرى.
بالإضافة إلى أن المنهج الصوفى يمتاز بالوسطية والروحانيات الكثيرة التى تجذب أى شخص إليه سواء أكان مسلمًا أم غير مسلم، وهذا ما حدث معى، فعندما يسمع أى شخص الإنشاد الذى يقدمه أتباع الطريقة يدخل فى نوبة من البكاء، فقصائدهم تكون عبارة عن مدح فى الذات الإلهية، ومن ثم تحضره عاطفة الوجدان ويحدث اتصال روحى بالله تعالى، خلال حلقة الذكر والإنشاد.
■ قبل اتصالك بالطريقة «القادرية البودشيشية».. ألم تصادف فى فيتنام طرقا صوفية أخرى؟
- الطرق الصوفية موجودة فى فيتنام، لكن لا أعرفها لأنها غير نشطة، لكن القادرية البودشيشية طريقة منتشرة وكبيرة جدًّا، وتكاد تكون موجودة فى جميع أنحاء أوروبا، وبحكم عملى فى القارة الأوروبية، كنت أشاهد الإخوة البودشيشيين والطرق الأخرى دائمًا، ينظمون حلقات الذكر والإنشاد الكبرى فى فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا، وهذا ما جذبنى إليهم، خاصة أن هذه الطريقة بها سر لا يوجد لدى الطرق الأخرى، وهى وجود شيخ عارف بالله، دعوته مستجابة، ولديه اتصال مع المولى عز وجل.
■ كيف تشارك فى حلقات الذكر والحضرة الصوفية وأنت فى فرنسا؟
- الطرق الصوفية تمتلك ساحات كثيرة خاصة بها، فى غالبية المدن الفرنسية، وتقام فيها حلقات الذكر والإنشاد الدينى، وأذهب بشكل دائم إلى هناك، من أجل مشاركة إخوتى فى طقوسهم الدينية، التى تعتبر أمرًا مقدسًا بالنسبة لنا، فحلقات الذكر هذه تغسل قلوب المريدين من الذنوب والمعاصى.
■ هل كنت مرشحًا بالفعل لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة خلفًا لـ«بان كى مون»؟
- نعم.. هذه حقيقة، لكن هذا الأمر كانت وراءه أغراض سياسية، إذ تم دفعى إليه بينما أنا لم أكن أريده من الأساس، وبالفعل نافست على مقعد الأمين العام، إلا أننى فى النهاية لم أنجح، بسبب المؤامرات التى أحيكت ضدى من المنافسين الآخرين.
■ هل هناك غيرك من أتباع الديانة البوذية دخلوا الإسلام من خلال الصوفية؟
- الأمر لم يقتصر علىَّ وحدى، فبعد إسلامى دخل المئات من أتباعى فى الإسلام على يد الصوفية أيضًا، فهم يعتبروننى هناك قدوة لهم، وهذا ما أحدث ضجة كبيرة فى فيتنام وقتها، وتعرض أتباعى لانتقادات كثيرة، إلا أنهم ثبتوا على هذا الدين واعتنقوا الفكر الصوفى الإسلامى، وأصبحوا ينشرون الإسلام فى فيتنام وغيرها من الدول المجاورة، والتصوف له ميزات مختلفة، تجعل من يعتنقه يدين بالمحبة والولاء للشيخ الذى أدخله هذا الدين الحنيف.
■ ما مفهومك عن الصوفية وهل ترى أن إيمان المسلم لا يكتمل إلا بمنهجها؟
- الصوفية هى علم القلوب، حيث الإنسان لا يمكنه العيش دون قلب، كذلك المسلم لا يمكنه العيش دون التصوف، فحسب تجربتى، فإن المسلم لا يكتمل إسلامه إلا بالتصوف، فنقاء القلب والضمير الإنسانى، لا يكون إلا من خلال التصوف، بالإضافة إلى أن التصوف يخلق حالة من الوجدانيات داخل كل إنسان يعتنقه، ويسير فى رحابه، وبالطبع أنا لا أفرض أن يكون كل مسلم صوفيا، لكنى أقول إن الإيمان لا يكتمل إلا بالتصوف، فهذا المنهج مثل الثوب الأبيض الذى لم يشبه الدنس، وهذا ما دفعنى إلى الانضمام إلى الإسلام من خلال الصوفية وليس أى تيار آخر.
■ ماذا ترى من أمور إيجابية فى التصوف الإسلامى لا تجدها لدى الآخرين؟
- أكثر الأمور الإيجابية التى رأيتها فى التصوف الإسلامى، هى الروحانيات الموجودة فيه، إضافة إلى المبادئ المشتركة بين الإسلام والديانات الأخرى، والتصوف ملىء بالقيم الروحية، التى تجعل الجميع مهتما به، كما أن جميع القيم والعادات الروحية، لها طابع خاص عند المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، وهناك أرضية مشتركة فى القيم الروحية بين الإسلام والديانات الروحية الأخرى. كما أن التصوف له اتجاه معين، والمتشددون فى اتجاه آخر، فالتصوف ينمى البعد الروحى فى الإنسان، وحين قرأت فى كتب التصوف، وجدته عنوان الوسطية الإسلامية، وعلى ذلك لا يوجد فى التصوف أى مظهر من مظاهر العنف أو التطرف الموجود فى التيارات الأخرى، فالصوفية هى الوجه المعتدل للإسلام، والسلفيون والدواعش يمثلون الوجه الغريب.
■ ما شعورك بعدما أصبحت مسلمًا صوفيًّا.. وهل هناك اختلاف عن السابق؟
- قبل إسلامى كنت ميتًا، لم أكن أحسب نفسى فى عداد الأحياء، واعتناقى الإسلام على يد شيخ الطريقة القادرية البودشيشية، أحيا نفسى، وجعلنى أحب الحياة وأعمل ليل نهار حتى أكون عبدًا صالحًا من الذين يعبدون الله «آناء الليل وأطراف النهار»، وبالنسبة للاختلافات، فالحمد لله، بفضل تمسكى بطريقتى الصوفية وشيخى وقراءتى الأوراد الخاصة بالطريقة جعلتنى مختلفًا تمامًا عن السابق، وهذا يعود لشيخى الدكتور جمال الدين ونجله الدكتور منير.
■ كيف تنظر إلى التيارات الأخرى مثل «السلفيين والإخوان وداعش»؟
- هذه التيارات لا تمثل الإسلام الوسطى، وتسببت فى حدوث خوف وفزع من الإسلام فى أوروبا والعديد من دول العالم، وذلك بسبب تبنيها خطابًا متطرفًا، فداعش يقتل باسم الإسلام، والحقيقة أن الإسلام منه برىء، والواقع أنه لا يمكن لأى إنسان الدخول فى دين يقوم أتباعه بقتل وذبح الناس، حيث سيحدث خوفًا، وهذا ما فعله «داعش»، والجماعة الإرهابية، أما بالنسبة للسلفيين فهم تيارات متشددة، لا تعرف وسطية الإسلام، وينكرون كل شىء، وينظرون إلى أى أمر مختلف على أنه بدعة يجب القضاء عليها، وهذا أمر صعب جدًّا، لأن الدين يجب أن يكون فيه نوع من الحرية والارتياح، حتى لا يكون عبارة عن سجن، خاصة أن العالم اليوم مختلف عن الماضى.
■ بحكم وجودك الدائم فى فرنسا.. هل بالفعل دخل الأوروبيون الإسلام عبر التصوف وما الأمور التى جذبتهم إلى أهل الله؟
- طبيعة الحياة فى المجتمعات الأوروبية تدفع أفرادها إلى الانجذاب للتصوف، فهو يعالج مشاكل الحياة المتأصلة فى الفلسفة المادية التى ينتهجها الغرب، فالأوروبيون يهربون من تلك الحياة الشاقة والمتعبة إلى رياض الصوفية وساحاتهم، بالإضافة إلى أن الأسر الأوروبية تترك أبناءها فى سن صغيرة، ولا تهتم بهم، بعكس الطريقة الصوفية التى تهتم بأتباعها ومريديها، فشيخ الطريقة بالنسبة لمريديه هو الأب الروحى والمرشد الذى يوجه مريده إلى الطريق الصحيح، فإذا وجد الشيخ مريده يسير فى الاتجاه الخاطئ، يضربه على يده حتى يعود للطريق الصائب مرة أخرى، خاصة أن التربية الصوفية تلزم المريد باتباع تعاليم الشيخ المربى.
■ ما سبب حرصك على المشاركة فى الملتقى العالمى الـ١٣ للتصوف؟
- أشارك فى هذا الملتقى بشكل دائم، حيث أعرض تجربتى وخبراتى عن التصوف، خاصة أن دخولى الإسلام عبر التصوف جعلنى أنجز عددًا من الأبحاث والدراسات فى فضل التصوف على الإنسان فى جميع الأمور الحياتية التى نعيشها، وهذا ما أدى إلى استدعائى كل عام، فضلًا عن أننى أصبحت من مريدى الطريقة بعد إسلامى، فكان لزامًا علىّ أن آتى للمشاركة والاستزادة من علوم الشيخ وتفسيراته للأمور الدينية المختلفة، بالإضافة إلى أن هذا الملتقى يحارب الفكر المتطرف والمتشدد الذى لا يقبل الآخر، فكان لزامًا على الجميع فى العالم الإسلامى أن يأتى للمشاركة، للعمل على مناهضة الفكر الرجعى الذى تحاول التيارات الأخرى نشره فى العديد من عواصم العالم، خاصة فى منطقة أوروبا.
■ هل يتعرض أتباع الصوفية فى أوروبا لأى مضايقات؟ وكم عدد الصوفيين هناك؟
- لا توجد أى مضايقات لنا كصوفيين من قبل الدولة أو المواطنين، ولكن المضايقات الكبرى كنا نجدها من السلفيين والمتشددين الذين يكرهون التصوف وينظرون إليه نظرة غير سوية، وهذا ما جعلنا ننشر فكرنا بصورة سريعة، حيث أصبح فى فرنسا آلاف الصوفية حاليا، يتمركزون فى نيس وليون وتولوز وغيرها من المدن، والأوروبيون بفضل الله أحبوا التصوف ودخلوا الإسلام بشكل كبير بعكس السلفية.
المصدر : الدستور