آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح حكم الشيخ الأكبر : من لم يمت حسّه لم يعرف ربّه

قوله : (لم يَمُتْ) بفتح الياء، وضم الميم من مات يموت أي : قام به الموت، أو بضم الأول، وكسر الميم من أمات يُمِيت أي أعدم، والمراد بالحسِّ ما به الدرك، ويحتمل المعنى المصدري أي : الدرك، والمعنى الذي لا ينعدم دركه بأن لم يصل إلى مقام (بي يبصر وبي يسمع)، وهذا إذا غلبت على خليقته حقيقته ولا يدرك هو شيئًا، ويرى الأفعال كلها لله تعالى، ويرى قواه وجوارحه آلة للحق، أو لم يعد حسه بالمجاهدات والرياضات والمكابدات (لم يعرف نفسه)؛ إذ معرفة النفس موقوفة على الخروج من وجوده وإرادته وأعماله، وعوض أعماله المستلزم لموت الحس، فإذا خرج عمَّا ذكر ينعدم حسه، وإذا انعدم حسَّه عرف نفسه بالعجز والذل والافتقار وغير ذلك من الصفات المختصة بالنفس، وإذا عرف نفسه بما ذكر عرف ربه بالقدرة والعز والغِنا وغير ذلك من الصفات الكمالية له تعالى، وإذا عرف ربه بالمذكور جهل نفسه؛ لأن المعرفة توجب الفناء في الله ومن فنى فيه غاب عن كلِّ شيءٍ.
وذلك؛ لأنه إذا دخل الرب في القلب خرَّب ما سواه لتحققه بالمعاني القيومية، والإحاطة الديمومية فيُشهده في كلّ شيءٍ ومعه، وإنه له فلا ينظر لشيءٍ سواه.
ولذا قيل : "أبى العارفون ان يشهدوا غيره معه"؛ لأنه إذا ظهرت صفاته اضمحلّت مكنوناته؛ إذ لا نسبة للخلق عند ظهور آثار الحق.

وأنشدوا في هذا :
مُذْ عَرفتُ الإله لَمْ أَرَ غيْرًا     وكذَا الغير عِندنَا ممنوع

وفي بعض النسخ :

مُذْ تجمعتُ ما خشيتُ افتراقًا    فأنا اليوم واصلٌ مجموعُ

وقال بعضهم : "الخروج عن الأغيار وسيلة لمعرفة النفس، ومعرفة النفس وسيلة لمعرفة الرب"، والمراد : أن الخروح عن الأغيار سبب الخروج عن النفس، وهو سبب معرفة النفس، وهي سبب معرفة الرب إلى آخر ما قدمنا، وفيه نظر يدفع بالتأمل فتأمل، ولعلّ المآل واحد والعبارة مختلفة فافهم.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية