■ سافرت إلى المغرب لنطق الشهادة أمام شيخ الطريقة القادرية البودشيشية
■ كنت أكره الدين الإسلامى لأننى سمعت أنه يدعو للعنف والقتل والتشدد
■ مئات اليهود والأوروبيين وجدوا ضالتهم فى التصوف
قال الشاب الفرنسى داود مروانى، إن استماعه لأنشودة «تشوقت روحى لشط الوادى»، فى إحدى الحضرات الصوفية الخاصة بطريقة «القادرية البودشيشية» بمدينة «نيس» الفرنسية، كان السبب وراء تحوله من اعتناق الديانة اليهودية إلى الإسلام. وكشف الشاب الحاصل على شهادة جامعية فى علوم البيئة، فى حواره مع «الدستور»، عن أن كثيرًا من اليهود والأوروبيين يجدون ضالتهم فى الفكر الصوفى الذى يصحح لهم نظرتهم إلى الإسلام، نظرًا لما يملكه من طاقة روحانية هائلة. وأوضح أن المعاملة الحسنة وروح التسامح التى رصدها عن الطرق الصوفية جعلته يدرك حقيقة هذا الدين الذى يختلف كثيرًا عن «الدواعش» والتيارات المتشددة التى تسببت فى كراهية الناس للإسلام دون فهم حقيقته.
■ بداية.. ما السر وراء تركك الديانة اليهودية واعتناق الإسلام؟
- الأمر كان صعبًا فى البداية، مجرد التفكير كان فى غاية الصعوبة، لأنى سأترك دين آبائى وأجدادى وأصبح مسلمًا فى يوم وليلة، مخالفًا تقاليد عائلتى الكبيرة التى تتكون من الآلاف داخل فرنسا وخارجها. لكن عندما رأيت الحضرة الصوفية الخاصة بالطريقة القادرية البودشيشية فى فرنسا، وجدت نفسى منجذبًا لها، وعندما سمعت الكلمات التى ينشدونها دخلت فى نوبة صراخ وبكاء حتى تحدث معى الدكتور منير القادرى بودشيش، وقال لى إن «الإسلام هو دين الفطرة التى فطر الله الناس عليه» وإن «التصوف هو منهج إسلامى يهدف إلى الزهد والبعد عن ملذات الدنيا». ومنذ ذلك الوقت أصبحت أشاركهم دائمًا فى طقوس الحضرة، وذهبت بعد ذلك لشيخ الطريقة فى المغرب، ودخلت الإسلام على يديه وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
■ هل كنت تعرف الصوفية الإسلامية قبل لقائك بهذه الطريقة؟
- لا، لم أكن أعرف عنهم أى شىء، بل كنت أكره الدين الإسلامى لأنى أسمع عنه أنه يدعو للقتل والتشدد والبغضاء، لكن عندما أسلمت على يد الصوفية، وجدت الأمر غير ذلك.
■ كيف كان لقاؤك الأول بالصوفية؟
- كانت أول مرة أرى فيها الصوفية بمدينة «نيس»، حيث شاهدتهم فى حلقة ذكر جماعية داخل إحدى الزوايا، يرددون الأبيات والقصائد الدينية، فجذبنى إليهم إنشادهم لقصيدة «تشوقت روحى لشط الوادى.. فهأنذا.. ربى خذ بيدى»، نتيجة ما تمتلئ به من روحانيات ومحبة إلهية للمولى عز وجل. وجعلنى هذا أتخذ قرارى المصيرى بالتوجه مباشرة إلى المغرب للدخول فى الإسلام والانضمام للزاوية القادرية البودشيشية، والتعرف على شيخ الطريقة الذى شملنى بمحبته وعطفه، حتى إننى أصبحت أقنع الكثير من أصدقائى وعائلتى باعتناق الإسلام من خلالهم.
■ ما الذى جذبك فى هذه الطريقة بالتحديد؟
- «القادرية البودشيشية» وأذكارها ومدائحها وأورادها جذبت عقلى وجعلتنى أشعر بحلاوة الإسلام ووسطيته واعتداله، لذلك اتخذت قرارى على الفور، وقررت اعتناق الدين الإسلامى بدلًا من اليهودية.
وكل ذلك جاء عقب جلوسى مع رئيس الملتقى العالمى للتصوف، الدكتور منير القادرى بودشيش، الذى أنظر إليه باعتباره مثلى الأعلى الذى أحتذى به فى أقوالى وأفعالى.
كما أن الجانب الروحى الذى يطغى على الطريقة القادرية البودشيشية، جعلنى أنا وبعض الأفراد من عائلتى نشعر بمدى المحبة والتعاون والإخاء داخل هذه الطريقة الصوفية، وشجعنا على ذلك أن كثيرًا من المريدين فى فرنسا دخلوا الإسلام من خلال الأناشيد والمدائح التى تمتاز بها هذه الطريقة بالتحديد، وتميزها عن غيرها من الطرق الصوفية الأخرى فى العالم الإسلامى.
■ برأيك.. كيف يمكن للإنشاد الدينى أن يحقق كل ذلك الجذب ليهود فرنسا؟
- الطرق الصوفية فى أوروبا نجحت فى نشر فكرها منذ عشرات السنين، وتحقق دائمًا نجاحات كبيرة وسط المجتمع اليهودى الفرنسى، لأن اليهود يميلون دائمًا إلى فكرة الروحانيات، ويجدون ضالتهم المنشودة فى التصوف الإسلامى، وهذا ما يدفع كثيرين منهم لدخول الإسلام من طريق التصوف.
وفرنسا تضم واحدًا من أكبر التجمعات اليهودية فى أوروبا، ويقدر عددهم بنحو نصف مليون يهودى، وبهذا فهى تأتى فى المركز الثانى بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد اليهود خارج إسرائيل.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى، زادت أعداد اليهود فى فرنسا بعدما هاجر نحو ثمانون ألف يهودى إليها قادمين من شرق أوروبا الشيوعى، كما ازدادت أيضًا بعدما أنهت فرنسا وجودها الاستعمارى فى شمال إفريقيا، واستقبلت نحو 300 ألف يهودى من السفارديم من الجزائر والمغرب وتونس ومصر.
وكل ذلك غير التركيبة الديموغرافية ليهود فرنسا، التى كان يغلب عليها «الأشكيناز» القادمون من أوروبا الشرقية، واليوم يمثل اليهود «السفارديم» نحو 60٪ منهم، يحيا نحو 350 ألفًا منهم فى باريس وحدها، تليها مرسيليا بنحو سبعون ألفًا. كما تضم باريس أكثر من عشرون مدرسة يهودية ابتدائية وثانوية علاوة على رياض الأطفال وحلقات الدروس الدينية، ما جعل عددًا من الجامعات الفرنسية تقدم كورسات خاصة فى الدراسات العبرية.
والوسطية والحرية التى يتيحها التصوف، تجعل اليهود الفرنسيين جميعًا ينظرون إليه باعتباره منهجًا دينيًا مسالمًا ينظر للآخر بشكل مختلف تمامًا عن المناهج والمذاهب الدينية الأخرى.
■ هل يؤثر التصوف بنفس الصورة فى باقى المجتمعات الأوروبية؟
- نعم، فكثيرون منهم دخلوا الإسلام على يد الصوفية، وعندما ذهبت إلى المغرب لأخذ العهد على يد شيخ الطريقة، وجدت المئات من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا وفيتنام سبقونى، ووجدت منهم من كانوا يهودًا أو مسيحيين أو بوذيين وجميعهم هداهم الله إلى الإسلام.
وهناك وجدت الجميع يجلسون فى حضرة مولانا العارف بالله جمال الدين القادرى بودشيش، الأمر الذى أسعدنى كثيرًا، لأنى علمت وقتها أني أسير فى طريق أهل الحق وأن التصوف الإسلامى هو أفضل المناهج الدينية التى يجب أن يتمسك بها المسلم، خاصة أنه لا يحرض على أحد ولا يكره أحدًا، بل يتمسك بالروح الحقيقية للدين الإسلامى الحنيف.
وبعد عودتى لفرنسا تعرفت على العديد من الطرق الصوفية هناك، لأنى اعتقدت أنها ستكون الأقدر على فهمي والتعامل معي، والحمد لله وجدت فى فرنسا فروعًا للطرق المدنية والعلاوية والتيجانية والبرهانية وعددًا آخر من الطرق وإن كانت أقل انتشارًا من القادرية التى نشرت فكرها فى أنحاء القارة.
■ هل كان هذا السبب وراء مشاركتك فى الملتقى العالمى الـ13 للتصوف الذى نظمته الطريقة مؤخرًا؟
- أشارك بشكل مستمر فى جميع الملتقيات التى تنظمها الطريقة القادرية البودشيشية، سواء فى المغرب أو فى فرنسا، وحرصت على التواجد بهذا الملتقى لأنه يتزامن مع الاحتفال بالمولد النبوى الشريف. كما أن هذا الملتقى يشهد التباحث والتشاور حول جميع الأمور المتعلقة بالتصوف ودوره فى نشر الفكر الصحيح، ومحاربة الفكر المخالف لصحيح الدين، ونحن المريدين فى الطريقة، يقع علينا عبئ كبير فى حمل هذا الأمر، وعلينا أن نكون على قدر المسئولية التى أوكلها إلينا سيدى جمال الدين القادرى بودشيش شيخ الطريقة، ونجله مولاي الدكتور منير القادرى بودشيش.
■ باعتبارك مسلمًا.. ما أهم مميزات المنهج الصوفى فى رأيك؟
- عندما انضممت للمتصوفة وجدتهم ينقلونني من محبة الدنيا وملذاتها وشهواتها إلى محبة الآخرة وإلى البحث الحقيقى فى ذات الله التى وجدتها فى قراءة القرآن والأذكار الدينية التى يرددها مريدو الطريقة فى جميع أحوالهم، سواء كانوا فى حلقة ذكر، أم على موائد الطعام. وأهم مميزات هذا المنهج أنه بسيط ووسطى ومختلف عن المناهج الإسلامية الأخرى التى تعانى من بعض التشدد، وجميعًا شاهدنا ما تفعله التيارات المتطرفة مثل «داعش» وغيرها، فهؤلاء أساءوا للإسلام وشوهوه وجعلوا الأوروبيين يخافون منه، لكن التصوف غير ذلك، لأنه يعبر عن روح الإسلام وهو ما جذبنى وغيري إلى هذا الدين. وهذا الأمر ظهر لى من خلال المعاملة الحسنة التى وجدتها من مريدي وأتباع الزاوية القادرية، وكانت السبب الرئيسى فى تحولى من اليهودية للإسلام، فقد تحولت من شخص يهودى يكره المسلمين إلى مسلم محب للجميع، ولا يكره أحدًا حتى المخالفين له فى الدين والرأى. وأعتقد أن الفضل فى اعتناقى للفكر الصوفى تحديدًا يعود إلى علماء ومشايخ الطريقة، لأنهم عرفونى بحقيقة هذا المنهج الإسلامى الوسطى الذى لا يكفّر الآخرين ولا يأمر بقتل المختلفين معهم فى الدين مثلما يفعل المتشددون الدواعش. فهذه الفئة من الذين يقولون عن أنفسهم إنهم مسلمون، هم فى الواقع لا يعرفون شيئًا عن الإسلام حتى إنهم شوهوا الصورة الحقيقية لهذا الدين الذى يحترم الآخر ويدعو للمحبة والسلام.
■ هل واجهت أى معارضة من الأسرة بعد قرار اعتناق الإسلام؟
- للأسف الأسر فى أوروبا لا تهتم كثيرًا بأبنائها، وعندما يصل الشاب إلى سن الـعشرين يتركه أهله وأسرته ليشق طريقه وحده ويبنى حياته بنفسه، ورغم أن العائلة كانت تراقبنى وتتتبع خطواتى من بعيد، إلا أننى عندما اتخذت قرار الدخول فى الإسلام ذهبت إليهم وصارحتهم بكل شىء، فوجدتهم ينجذبون لحديثى عن الصوفية والحضرة التى رأيت فيها أتباع البودشيشية فى فرنسا، وفكرة إنشادهم للقصائد الدينية، فقالوا لى: نحن أيضًا نريد رؤية هؤلاء الأشخاص. وعندما ذهبوا معى إلى الحضرة البودشيشية فى باريس، وجدتهم ينجذبون أيضًا لطقوسها ويطلبون منى التعرف أكثر على هذه الطريقة وشيخها لفهم الإسلام، والحمد لله هم حاليًا فى طريقهم لنطق الشهادتين.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.