آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مسألة : الخطاب الذي يذكره الأولياء هل ينسب إلى الله سبحانه

سُئِلَ (ابن حجر الهيتمي) نفع الله بِهِ عَن الْخِطاب الَّذِي يذكرهُ الْأَوْلِيَاء فَيَقُول أحدهم : حَدثنِي قلبِي عَن رَبِّي، وَيَقُول بَعضهم : خاطبني رَبِّي بِكَذَا، هَل يُنْسب إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَمَا حَقِيقَته وَهل يُسمَّى كلَاما أَو حَدِيثا وَمَا الْفرق بَين مَا سَمعه الْأَنْبِيَاء وَمَا سَمعه الْأَوْلِيَاء وَمَا على من جحد أَحدهمَا.

فَأجَاب : بقوله فرق القطب الرباني الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني نفع الله بِهِ بَين النُّبُوَّة وَالْولَايَة بِمَا حَاصله : أَن النُّبُوَّة كَلَام الله الْوَاصِل للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الْمَلَك وَالروح الْأمين، وَالْولَايَة حَدِيث يُلقى فِي قلب الْوَلِيّ على سَبِيل الإلهام المصحوب بسكينة توجب الطُّمَأْنِينَة وَالْقَبُول لَهُ من غير توقف وَلَا تلعثم، ورد الأول كفر، وَالثَّانِي نقص، وَجَاء فَقِيه لأبي يزِيد مُعْتَرضًا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ : علمك عَمَّن ومِمَّن وَمن أَيْن ؟ فَقَالَ : علمي من عَطاء الله وَعَن الله عز وَجل، وَمن حَيْثُ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم : (مَن عمل بِمَا يعلم أورثه الله علم مَا لم يَعْلَم) وَقَالَ : (الْعلم علمَان علم ظَاهر وَعلم بَاطِن فالعلم الظَّاهِر حجَّة الله على خلقه وَالْعلم الْبَاطِن هُوَ الْعلم النافع) فعلمك يَا فَقِيه نقل من لِسَان إِلَى لِسَان للتعلم لَا للْعَمَل، وَعلمِي من علم الله عز وَجل إلهاما ألهمني من عِنْده، فَقَالَ لَهُ الْفَقِيه : علمي عَن الثِّقَات عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَن جِبْرِيل عَن الله، فَقَالَ : للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - علم عَن الله عز وَجل لم يطلع عَلَيْهِ جِبْرِيل وَلَا مِيكَائِيل عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَطلب مِنْهُ الْفَقِيه أَن يُوضح لَهُ علمه الَّذِي ذكره فَقَالَ : يَا فَقِيه أعلمت أَن الله عز وَجل كلم مُوسَى تكليما وكلم مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - وَرَآهُ كفاحا وكلم الْأَنْبِيَاء وَحيا قَالَ : بلَى، قَالَ : أما علمت أَن كَلَامه للصديقين والأولياء بإلهام مِنْهُ لَهُم وَألقى فَوَائده فِي قُلُوبهم وتأييده لَهُم ثمَّ أنطقهم بالحكمة ونفع بهم الْأمة وَمِمَّا يُؤَيّد مَا قلتُه مَا ألهم الله عز وَجل أم مُوسَى أَن تقذفه فِي التابوت ثمَّ تلقيه فِي اليم، وكما أفهم الْحَضَر فِي أَمر السَّفِينَة وَأمر الْغُلَام والحائط وَقَوله لمُوسَى : "وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" أَي إِنَّمَا هُوَ علم الله عز وَجل، وَقَالَ تَعَالَى : "وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا" أَي بِنَاء على مَا عَلَيْهِ الصُّوفِيَّة قاطبة أَنه ولي لَا نَبِي وكما ألهم يُوسُف - صلى الله عليه وسلم - فِي السجْن فَقَالَ : "ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي" أَي وَكَانَ ذَلِك قبل النُّبُوَّة وكما قَالَ أَبُو بكر لعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن بنت خَارِجَة حَامِل ببنت وَلم يكن استبان حملهَا فَولدت جَارِيَة وَمثل هَذَا كثير، وَأهل الإلهام قوم اختصهم الله بالفوائد فضلا مِنْهُ عَلَيْهِم وَقد فضل الله بَعضهم على بعض فِي الإلهام والفراسة، فَقَالَ الْفَقِيه : قد أَعْطَيْتنِي أصلا وشفيت صَدْرِي.

 وَمِمَّا يُؤَيّد مَا رَوَاهُ الصُّوفِيَّة من أَن الإلهام حجَّة أَي فِيمَا لَا مُخَالفَة فِيهِ لحكم شَرْعِي مَا صَحَّ من قَوْله - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَدِيث الْقُدسِي : "فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ" الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة : "فَبِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي ينْطق" وَفِي أُخْرَى : "وَكنت لَهُ سمعاً وبصراً ويداً ومُؤَيِّدا" وَالْحَاصِل أَن الْعلمَاء بِاللَّه عز وَجل هم الواقفون مَعَ الله فِي الْعُلُوم والأعمال والمقامات وَالْأَحْوَال والأقوال وَالْأَفْعَال وَسَائِر الحركات والسكنات والإرادات والخطرات ومعادن الْأَسْرَار ومطالع الْأَنْوَار والعارفون المحبون المحبوبون المقربون رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ونفع بهم إِذا تقرر ذَلِك علم مِنْهُ الْجَواب عَن جَمِيع مَا فِي السُّؤَال وَهُوَ الْفرق بَين خطاب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وخطاب الْوَلِيّ، فَالْأول بِوَاسِطَة الْمَلَك أَو لَا بِوَاسِطَة أَو بالرؤيا الصادقة أَو بالنفث فِي الروع وكل ذَلِك يُسمى وَحيا وكلاما ينْسب إِلَى الله حَقِيقَة، وَمن أنكر مَا علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ كفر، وَالثَّانِي شَيْء يلقى فِي الْقلب يثلج لَهُ الصَّدْر وَهُوَ الْمُسَمّى حَدِيثا وإلهاما لقَوْله - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَدِيث أَن فِي أمتِي  مُحدَّثون -بِفَتْح الدَّال- ملهمون وَمِنْهُم عمر وَاخْتلف الْعلمَاء فِي حجية الإلهام بقيده السَّابِق فالأرجح عِنْد الْفُقَهَاء أَنه لَيْسَ بِحجَّة إِذْ لَا ثِقَة بخواطر غير الْمَعْصُوم وَعند الصُّوفِيَّة أَنه حجَّة مِمَّن حفظه الله فِي سَائِر أَعماله الظَّاهِرَة والباطنة والأولياء وَإِن لم يكن لَهُم الْعِصْمَة لجَوَاز وُقُوع الذَّنب مِنْهُم وَلَا يُنَافِيهِ الْولَايَة وَمن ثمَّ قيل للجنيد : أيزني الْوَلِيّ ؟ فَقَالَ : وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا، لَكِن لَهُم الْحِفْظ فَلَا تقع مِنْهُم كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة غَالِبا وعَلى القَوْل بحجته فَهُوَ ينْسب إِلَى الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنه الْملقى لَهُ فِي الْقلب كَرَامَة لذَلِك الْوَلِيّ وإنعاما عَلَيْهِ بِمَا يكون سَببا لمزيد لَهُ أَو صَلَاح لغير.

الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية