فصل : إذا شئتَ أن تعرف نفسك فاعلم أنّك من شيئَينِ.
أحدهما : قالِبُك الظاهرُ وهو بَدنك وهذا يُمْكِنُكَ الوقوف عليه بِعَيْنِكَ الظاهرة.
الثاني : هو المعنى الباطن، وهو المسمّى نَفْساً ورُوحًا وقَلْباً، وهذا المعنى لا سبيل إلى معرفته إلّا بِبَصرِ بصيرةَ الباطن، وكل ما سواه فهو تَبَعٌ لَه؛ ومن جملة خَدَمِهِ وجنودِهِ، ونحن نُسمِّي ذلك بالقلب، فإذا ذكرنا القلب هاهُنا فمُرادُنا به ذلك المعنى الذي تارةً يُسَمّى نَفْساً وتارةً يُسمّى رُوحًا، ولا نريد به القلب الذي هو مُضْعَة من لحم في الصَّدر من الجانب الأيسر، فإنّ ذلك ليس لهُ قَدْرٌ إلاّ كقَدْرِ الدَّابّةِ بالإضافة إلى راكبها، فإنّ هذه البَضْعَة من اللحم يستوي فيها الإنسان والبهائم والحيُّ والميِّتُ؛ وهي ما يُدرِكُ العين الظاهر، وكلّ ما كان مُدرَكا بهذه الحواس فهو من عالم الشهادة، وليس حقيقة القلب الذي (يمدنا) من هذا العالم. لكن غريبٌ فيه .... في اللحم وسائر الجوارح والأعضاء جُنودُه وأعوانُه وآلةٌ له وهو الملِكُ لجميع البدن ظاهراً وباطناً، ومن صفته معرفة الله تعالى ومشاهدةُ جمال حضرته وإليه توجّهَ التكليف والخطابُ وله العقابُ والثواب والسعادة والشقاق الأصليتان والبدن في كل ذلك وأعضاؤهُ وجُملتُه تبع للقلب فيهما ومعرفة حقيقته وصفاته مفتاحُ معرفة الله تعالى فاجتَهد أن تعرفَ قلبك فهو جوهر عزيز من جنس جوهر الملائكة ومعدنه الأصليُّ إنّما هو الحضرة الإلهية، ومن تلك الحضرة جاء وإليها يرجع وهو غيب هاهنا قَدِمَ للتِّجارة والحِراثة حين كانت الدنيا مزرعة الآخرة وفيمَا بَعدُ يَتَبيَّنُ لكل معنى هذه التجارة والحراثة إن شاء الله تعالى.