آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : الذخيرة لأهل البصيرة (7)

فصل : اعلم أنّ البدن مملكةُ القلب وفيه جنودُه المختَلِفَةُ {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}والقلبُ خُلِقَ لأجل الآخرة، وعمله إنما هو طلبُ سعادته، وسعادتُه إنما هي معرفة الله سبحانهُ، ومعرفته تعالى إنما يَحصُلُ بمعرفَةِ صُنعِه وهو من جُملةِ هذا العالم، والمعرفة بعجائب العالم يَحصُلُ له من طريق الحواسّ، وقوام هذه الحواسّ بالبدن، فالمعرفةُ هي الصّيدُ والحواسُّ الحِبالَةُ والبدَنُ المَركبُ والحاملُ (يعني القلب) فهو يحتاجُ إلى البدن بهذا السَّبَب، والبدنُ مُركَّبٌ من الماء والتّراب والرطوبة ولأجل ذلك كان ضعيفاً وهو في خطر الهلاك، إن كل من افتقر إلى الطعام والشراب احتاج إلى عسكرين، أحدهما : افتقر ظاهرٌ كاليد والرِّجل وسائر الأعضاء، والثاني : باطنٌ كالغضب والشهوة وغير ذلك، فإنَّه لمَّا لم يمكنه الطلب عند مشاهدة الغداء، ولم يقدر على الدّفع عند رؤية الأذى، احتاج إلى الإدراكات فأُعطيها، فبعضها ظاهرٌ وهي الحواس الخمس : البصرُ، والأنف، والأذن  والتّذوق، واللّمس، وبعضُها باطنٌ وهي  سرّ هذه الآلات الخمسة وموضعُها الدماغ وذلك مثل قوة الخيال، وقوّة التفكُّر، وقوّة الحفظ، وقوّة التوهّم، وقوّة الذكر، ولكل واحد من هذه القوى محلٌّ خاصٌّ، فمتى اختلَّ أحدهما اختلَّ حال الآدمي في أمر دينه ودنياه، وجُملةُ جنود الظاهر والباطن محكوم بحكم القلب وتحت أمره وقهره وهو مَلِكُ الجميع، فإذا أمر اللسان نطق في الحال، وإذا أمرَ اليدَ أمسكت وبطَشَت في الحال، وإذا أمر الرِّجْل سَعَتْ في الحال، كما قيل : 

وما الرِّجلُ إلاّ حيثُ يسعَى بها القلبُ     ومتى أمر العين نظرتْ في الحال

فإذا أمرَ قوّة التفكُّر تفكّرت في الحال، وكُلُّ ذلك جُعِلَ تحت طاعة القلب ومتصرِّفاً بحُكمه ليحفظ البدن مقدار ما يتزوَّد ويحصِّل صَيْدَهُ وتجارتَهُ لآخرته فيَبذُرُ بَذرَ السّعادة ليحصل منه مراده ،وطاعة جنود القلب لَهُ كطاعة الملائكة لله تعالى في أنهم لا يمكنهم مخالفته في شيء من أوامره، لكنّهم يُطيعونهُ بالطّبع الذي جعله لهم فكذلك  جنود القلب.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية