آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : الذخيرة لأهل البصيرة (9)

لا شكَّ أنَّك عَرفتَ من هذه النبذة السالفة أنّ الشهوة والغضب خُلِقا لحفظ البدن، والطعام والشراب وكلاهما خادمُ البدن، والطعام والشراب قُوَّة البدن وَعَلَفُهُ، والبدن مخلوق لِحَملِ الحواسّ، فالبدن إذن خادمٌ للحواسّ، والحواسّ خُلقَت جاسوساً وعيناً للعقل، والعقل مخلوقٌ للقلب ليكون له كالسِّراج فيُشاهدَ بنوره تلك الحضرة التي هي معدنه، فالعقل خادم القلب والقلب مخلوق للنّظر إلى جمال الربوبيّة، فإذا اشتغل بذلك كان عبداً وخادماً للحضرة الإلهية كما قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فإنه أراد هذا المعنى، فإنّه سبحانه خلق القلب وجعلَ له هذه المملكة وهؤلاء الجُنُود وسلّم إليه هذا المركب الذي هو البدن ليسافر من العالم التُّرابيّ إلى أعلى علّيّين، فإن أراد قضاء حق هذه الخدمة وأداءَ شَرط العبوديّة، فينبغي أن يَجلس كالملك في صدر المملكة ويجعل الحضرة الإلهية مَقْصَداً وقبلةً، ويتَّخذَ الآخرة مَوطِناً ومُسْتَقَرًّا، ويتخد البدن لهُ مَركباً والجوارح والأعضاء أعواناً، والغضَب شَمْخَةً والحواس جواسيس، فيُوكِّلُ كلُّ واحدٍ بعالم على حِدَةٍ ليتجسَّسوا ويأتوا بأخبار الحافظة التي هي في آخر الدِّماغ، واتخدوها خريطةً يَجمَعُ فيها كلٌّ يزيد ما عنده ُ ويضع فيها كل جاسوس ما لديه من الأصقاع المشتملة على أخبار عالمه الذي وُكِّلَ به، ويحفظُها ليُعْرِضَهَا في أوقاتها على وزير العقل فيدبّر الوزيرُ المملكة على وَفق ما يَتَّصِلُ به من الأخبار، ويرتبُ أمر سفر الملك نَحو مَقصدٍ بحسب ذلك، فإذا رأى أنّ بعضَ العساكر كالشهوة مثلا أو الغضب قد نزع عنه لباس الطاعة ونفض يد المخالفة (ارتد) في وجه التباعة ونبذ أوامرَ الملِك وراء ظهره ،وهمَّ أن يَشُنَّ الغَارة على البلاد ويسعى في الممالك بأنواع المفاسد، فإنّ الوزير يشتغل بتدبير كيفيّة استمالتُه والسعي في إصلاحه ولا يطمع في قتله وإتلافه، إذ لا مَندوحة بالمملكة عنه، ولا غناً بالدَّولة عن الجنود، فيجتهد في استمالة العاصي من الأجناد ليسير في خدمة المَلِك ويكثّر سواده(جنوده) في سفره ويعينه على ما يقصده ويوافقه، فإذا فعل ذلك كان سعيداً واستحقّ ممَّن استَوْزَرَهُ، الإحسانَ إليه، والانعام عليه، حين قامَ بما يجبُ عليه من حراسته المملكة وحفظ العساكر، وإن خالف هذا التدبيرَ ووافقَ العُصاة في الفساد واستمرَّ معهم على البغي والفساد، فقد كفر النِّعمة واسوجب النَّكال والنقمة وكان شقيًّا محروماً فاستحقَّ عذاباً أليما.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية