قال غيلان : فتوقعت أن يبعث إليه، فقام السري وكبَّر وطوَّل في صلاته، فقالت المرأة: يا أبا الحسن انى أخاف أن يؤذيه السلطان، فسلم فقال لها: إني في حاجتك وإذا بامرأة أتت إليها وقالت إليها: إلحقي بابنك فإنه سُرح وخُلِي سبيله ولا بأس عليه.
كَيْفَ أَشْكُو إلى طَبيبٍ بِداءِ والذي قَد أَصَابَنِي مِنْ طَبِيبِي
قال: فأخذت المروحة أروح عليه بها فقال : كيف يجد ريح المروحة من جوفه يحترق من داخل، ثم أنشأ يقول :
الْقلبُ مُحْتَرقٌ والدَّمْعُ مُسْتَبِقٌ وَالْكَرْبُ مُجْتَمِعٌ وَالصَّبْرُ مُفْتَرِق
كَيْفَ الْقَرَار عَلَى مَن لا قَرَارَ لَه فَمَا جَنَاهُ الْهَوَى وَالشَّوْقُ والْفَلَقُ
يَارَبِّ إِنْ كَانَ شَيءٌ فِيه لِي فَرَجٌ فَامْنُنْ عَلَيّ بِه مَادَامَ لِي رَمَقُ
قال: صحبت رجلاً من أهل سامراء يُعرَف بـ (الواله) سنة، فلم أسأله عن مسألة، ثم فقلت يومًا: أي شيءٍ المعرفة التي ليس فوقها معرفة؟ فقال لي: أن تجد الله تعالى أقرب إليك من كل شيء وأن تمحو من سرائرك وضمائرك كل شيء غيره.
قلت له: بأي شيءٍ يوصل إلى هذا؟ فقال: بزهدك وترغيبك فيه.
قال السري: فكان كلامه سبب انتفاعي بهذا الأمر.
قال: قلوب الأبرار معلقة بالخواتم، وقلوب المقرَّبين معلَّقة بالسوابق.
فقلت: وأعلى منهما ابن وقته الذي لا ينظر لا للسوابق ولا للواحق؛ فإنها لا تغير وإنما هو عبدٌ مأمورٌ يقوم بِحقِّ ما أمر به فما هو مطلوب به فإن كان ينظر إلى السوابق أو اللواحق لشغله ذلك عما هو أولى به من حق الوقت و المريد ابن وقته، وأعلى منه من هو مستغرق بالموقت عن الأوقات.
كما حكي عنه أيضًا رضي الله عنه أنه سُئل مرة عن حاله؟.
فأنشأ يقول:
مَا فِي النَّهَارِ وَلاَ فِي اللَّيلِ لِي فَرَحٌ فَمَا أُبَالِي أَطَالَ الليلُ أَم قَصرَا
لأني فِي طُولِ لَيْلِي هَائِمٌ قَلِقٌ وَفِي النَّهارِ أُقَاسِي الْهَمَّ والفِكْرَا
ثم قال لولا خوفي الشناعة لصِحْت، ثم قال: أين شاهد هذا ؟.
قلنا: لا نعلم.
قال: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «ليس عند ربكم ليل ولا نهار».
ورُوي: «ليس عند ربكم صباح ولا مساء فمن كان عبد ربه عز وجل فليس هو في ليل ولا نهار».
قلت: ومَن كان بهذا الوصف فلا يتفرغ لمطالعة السوابق، ولا اللواحق؛ لغلبة أنوار الجلال والجمال على قلبه، فهو في الجمال بأنوار أُنسه، وفي الجلال بصدمة هيبته.
وكان يقول: ترك الذنوب على ثلاثة أوجه خوفًا من النار، والعقاب والرغبة في الجنة والثواب، والحياء من الملك الوهاب.
قال رضي الله عنه : لو أن رجلاً دخل إلى بستانٍ فيه من جميع ما خلق الله تعالى من الأشجار، وعليها كل ما خلق الله تعالى من الأطيار يخاطبه كل طير منها بلغته.
وقال له: السلام عليك يا ولي الله تعالى، ثم سكنت نفسه إلى ذلك لكان في يدي نفسه أسيرًا.
وفي بعض الروايات: ولم يخف أن يكون ذلك مكرًا به لكان به ممكورًا.
وقال رضي الله عنه : صلَّيت ليلةَ وردى، ثم مددت رجلي، فإذا بهاتفٍ ينادي: يا سرى أهكذا تجالس الملوك، فضممت رجلي، ثم قلت: وعزَّتك لا مددت رجلي أبدًا، فبقي ستين سنة لم يمدد رجليه ليلاً ولا نهارًا.
واعلم أن هذه السادات لا تقوم لها الأسفار، وإنما مرادنا التعريف ببعض ذلك والمقصود تحقيق سلسلة هذا الشيخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما شيخ السري: فهو أبو محفوظ سيدي معروف بن فيروز الكرخي.
وقال حجة الإسلام: وقيل معروف بن الفروزان، وقيل معروف بن علي؛ وهو من أجلَّة المشايخ وقدمائهم، والمشهور بالزهد والورع والفتوة وإجابة الدعاء.
مات سنة مائتين، وقيل: سنة إحدى ومائتين والأول أصح، والله أعلم.
وقبره ببغداد شهيرٌ ومزار؛ فهو يتردَّد الخلق إلى زيارته، والناس يستشفون بقبره ويستسقون إذا قحطوا به.
مجرَّبٌ عند أهل بغداد صحيح، ويقولون: قبرُ معروف تِرياقٌ مجرّبٌ. وهو من موالي علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن وهو من موالي علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.