آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الطعام في الطريقة الصوفية بين الرمزية والوظيفة - الزاوية القادرية البودشيشية - نموذجا (3)

3 - الطعام وسيلة اتقوية البناء الاجتماعي للزاوية القادرية البودشيشية.

لقد أظهرت الدراسة الميدانية أن طقس الأكل الجماعي يوحد القلوب، ويجمع ذووا الخلفيات والانتمائات المتباينة (الثقافية والسياسية والنقابية) على طبق واحد، ومن خلاله تذوب الفروق الطبقية، وفروق التعليم واللون والقبيلة، ولا يبقى إلا إنسانا بقلب عامر بالحب. وهو ما أكده عبد الرحيم حيمر في مؤلفه "سوسيولوجيا الخطاب" الذي يعتبر "الطعام وسيلة للتواصل في ما بين الأفراد (الفُقَراء)، وهو أيضا وسيلة لتقريب المسافات العمرية والاجتماعية والثقافية التس تفصل فيما بينهم داخل الفضاء الاجتماعي للزاوية. فالمناسبات الاجتماعية (جنازة، زفاف، عقيقة) والدينية (عيد المولد النبوي) تجمع الفُقراء، سواء في الزاوية أو في منازلهم للمشاركة في تناول الطعام، مما يؤدي إلى بناء العلاقات الاجتماعية بينهم.

يفسر أحد الفقراء هذا الحب وهذا التلاحم، الذي نشعر به ونراه بين الفُقراء، على موائد الإطعام تجسيدا لمبدأي : الصحبة، والمساواة، اللذين تعتبران من الركائز الأساسية في منهج الشيخ حمزة، لذلك تجد حسب تعبير هذا الفقير على "موائد الطعام أستاذ جامعة، يأكل في طبق واحد مع واحد أمي، كما تجد من بينهم على مائدة الطعام فقراء رجال أعمال وأثرياء بجانب فقراء لا يملكون شيئا، كما تجد فقراء من مختلف مناطق وجهات المغرب، كل هؤلاء تنتفي شخصياتهم ومستوياتهم الاجتماعية ليشكلوا مع بعضهم كتلة واحدة وهم يأكلون من نفس الطبق ويشربون من نفس الكؤوس، يجمعهم حب الله ورسول الله وثقتهم في الشيخ حمزة، واعتقادهم في الطريقة القادرية البودشيشية. وما يعمق هذا التلاحم هو ما يتم حكيه على موائد الطعام للفقراء، خاصة الجدد منهم من صفات وكرامات شيوخ الطريقة، والمحطات والتجارب الروحية التي عاشها الفقراء القدامى في الطريق لتكون العبرة والمعنى، وليُربّوا بالموروث والمأثور والمتواتر، محدثين الملتفين حولهم فينهلون من العلم بأحوال أهل الله القدامى، وهو ما يسمى عند الطريقة القادرية البودشيشية بالتربية والإصلاح والصحبة.

يظهر الدور للطعام في الزاوية في الماسبات الكبرى، في الزاوية في مداغ، حيث يتم إطعام أعدد هائلة من الفُقراء يعدون بعشرات الآلاف، صفوف من الفقراء من مختلف الأعمار، يتكلمون لهجات ولغات عدة : العربية، الأمازيغية، الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية ...، ينتظرون دورهم في نظام للدخول إلى مطعم الزاوية لتناول الطعام، وقد تستمر هذه العملية لساعات تتعاقب فيها الأفواج على الموائد.

نستنتج من خلال تتبعنا لطقس إطعام الطعام أن له بعدان : بُعد رمزي عقائدي تربوي مرتبط بقيم وعقائد اجتماعية للطريقة (الشيخ والطريقة)، وبُعد تنظيمي يتجلى في العملية التنظيمية لطقس الإطعام التي تظهر مدى قوة الزاوية، المرتبط بعدد المريدين، وكذلك قدرة أطر الزاوية وخدامها على التنظيم. 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية