4 - الطعام وسيلة لجمع فقراء الزاوية القادرية البودشيشية.
يلتزم الساهرون على تدبير شؤون الزاوية وتعميرها بتوفير الظروف اللازمة لحضور الفقراء، فالطعام مسألة ضرورية وأساسية لجمعهم، فلا يمكن ممارسة ذكر الوظيفة بدون العدد الكافي، كما لا يمكن أن يقام الذكر ولا يتم إطعام الفقراء، وحتى عندما يكون الذكر في منزل أحد الفقراء فإن الطعام أهم شيء يتم التفكير فيه، فحسن الضيافة والتباهي في طريقة إعداد الطعام، وتقديمه، ونوعيته، يكون حديث الفقراء بعد لقائهم في الزاوية. ويظهر من خلال هذه الموائد الدور المهم الذي يقوم به الطعام في خلق المودة ومد جسور العلاقات بين الفقراء. فالجلوس على الأرض "مربعين" الأرجل حول "إزار" بلاستيكي، وطبيعة الأكل الجماعي : عشرة أفراد حول الطبق، يسهل التواصل بينهم، ويفتح النقاش حول العديد من المواضيع : الدينية الروحية السلوكية التي لها علاقة بالطريقة القادرية البودشيشية أو لها علاقة بالزاوية والتي تدخل في التدبير والتنظيم اليومي أو الأسبوعي، وأخرى ثقافية اجتماعية تساهم في تقوية البناء الاجتماعي للزاوية.
لقد أظهرت الدراسة الميدانية، عن طريق الملاحظة بالمشاركة، أن إطعام الفقراء يكون مرتين في اليوم : الأولى تكون بعد ورد العصر، وتسمى "التَّرْيِقَة"، والطعام فيه عبارة عن : قهوة وحليب أو شاي، الخبز مع زيت العود (الزيتون) والعسل والزيتون مع بعض الحلويات العصرية التي قد يتبرع بها أحد الفقراء.
وغالباً ما يتناول الطعام الفقراء الذين التحقوا بالزاوية بعد الدراسة أو العمل، لأن منهم من يأتي مباشرة إلى الزاوية دون أن يتوجه إلى بيته، ففيها يجد كل ما يحتاجه إلى جانب الإطعام، إذ يمكنه أن يتوضأ أو يغتسل، ويغير ثيابه ليلبس ثياباً تقليدية أحضرها الفقراء لتكون رهن إشارته، وفي المرة الثانية، يكون الإطعام بعد الوظيفة أو الاعتصام وهو ما يسمى : "طعام العشاء"، ويتم تقديمه في الحادية عشرة ليلاً، وقد يتأخر عن هذا الوقت عندما يكون الاعتكاف أو تكون في البرنامج صدقة أو يصادف الليلة الكبيرة كما يقول الفقراء. وبعد تأدية صلاة العشاء، التي قد تتأخر للسبب المذكور آنفاً، يلتحق الفقراء بقاعة الإطعام بالزاوية. وفي انتظار تقديم الطعام يحاول البعض منهم أن يخلقوا جوا من الدعابة بينهم بسؤالهم عن نوع الوجبة التي ستقدم إليهم "راه اليوم ما كاين عشا"، نفس المزاح والدعابة تجدها عندما يكون الذكر في منزل أحد الفقراء، هناك من يقول مازحاً "راه مالين الدار ما كينينش" وينطق الآخر "بلا ما تمحن راسك". إنها حسب أحد الفقراء :"أجواء من الفرح والمرح والضحك بهدف الترويح على النفس بعد أن تم إجهاده بالذكر".
يختلف الطعام داخل الزاوية حسب الأيام وحسب الإمكانية المادية، ففي بعض الأيام يقدم الحليب والشعرية(المعجنات)واللوبيا والعدس والدشيشة والتمر والبيض والبيصارا(الفول)، وفي العواشر (أيام دينية)، تكون الفاكهة الجافة، وفي أيام أخرى يقدم مسؤولو الزاوية موائد دسمة تحتوي على الدجاج المحمر، والسفة، ولحم البقر، والحوت طاجين، وحتى "البيتزا"، مع أصناف مختلفة من الفواكه.
إن نوع الطعام المقدم لا يكتسي أهمية بالغة عند الفقراء الملتزمين بقدر ما هو الحرص على التواجد اليومي داخل الزاوية، والمشاركة في كل الطقوس اليومية، لأن ذلك يساهم في توطيد العلاقة بين الفقراء، مما يدل على التزامهم بقيم ومبادئ الطريقة، ويؤكد على العهد الذي يربطهم بالشيخ حمزة. لذلك عندما يدعو أحد الفقراء إلى وليمة فدائماً ما يؤكد أن الاجتماع أهم من الوجبة ذاتها.