سورة الفاتحة
هذه السورة تسمى بعَشرة أسماء فاتحة الكتاب و سورة الحمـد و أم الكتـاب وأم القـرآن والسبع المثاني و الوافية و الكافية و أساس القرآن و الـصلاة و الـشفاء، فأمـا تـسميتها بفاتحـة الكتاب، فروى سعيد المقبُريّ عن أبي هريرة عن النبي صلى االله عليه وسلم أنه قـال: (هـي أم القرآن و هي فاتحة الكتاب و هي السبع المثاني).
و قيل سميت فاتحة الكتاب لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف و بقراءتها في الصلاة فهي فاتحـة لمـا يتلوها من سور القرآن كتابا و قراءة .
وقيل سميت فاتحة الكتاب لأنها أول سورة نزلت من السماء فهي فاتحة لهذا الشأن.
و قد روى أبو ميسرة أن رسول االله صلى االله عليه وسلم قال: (أول ما لقيه جبريـل قـال: قـل أشـهد أن لا إلـه إلا االله و أشـهد أن محمـدا عبـده ورسـوله الحمـد الله رب العـالمين إلى آخـر السورة) .
و إنما سُمِّيَت سورة الحمدِ لأن الحمد مـذكورٌ فيهـا، كـما قيـل سـورة التوبـة والأعراف و الأنفال. و في خبر : (لا تقولوا سورة البقرة، ولكن قولوا السورة التي يـذكر فيهـا البقرة).
وأما تسميتها بأمّ الكتاب وأمّ القرآن فقد ورد به الخبر قال رسول االله َّ صلى االله عليه وسلم : (هي فاتحة الكتاب و هي أم القرآن) . وقال : (مـن صـلى صـلاة أو سـبحة فليقـرأ بـأمِّ القرآن) [رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جـده]، و قيـل إنـما سـميت أم الكتـاب و أم القرآن لأنّ الأمَّ هو الأصل فأمّ الكتاب أقدم ما نزل منه، وقد ذُكِرَ أنه روي أن أول ما نزل مـن القرآن هذه السورة.
و قيل سميت مكة أمّ القرى لأنها أول ما خُلِقَت من بقاع الأرض، و قيل لأن الأرض دُحيت منها فهي كالوالدة التي هي الأمّ وقيل معنى الكتاب في قوله أم الكتاب الكتُبُ المُنَزَّلـة من السماء لأنه يصلح أن يكون اسم الكتاب ههنا للجنس فهذه السورة كالأم لجميع الكتـب المنزلة أو لجميع القرآن لأن معاني جميع الكتب مودَعَةٌ في هذه السورة لأن جميع معـاني القـرآن إما صفة الربوبية وإقامة العبودية وهذه السورة تشتمل على الأمرين جميعا . ورُويَ عن الحسن أنه قال: (من قرأ بفاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة و الإنجيل والزبور والفرقان).
وقيل سُميت أم الكتاب وأمّ القرآن لأنها إمام لجميع القرآن يقرأ بهـا في كـل ركعـة، وقيـل سميت بذلك لأن العرب تسمِّي كل جامعٍ أمرا أومقدِّم لأمرٍ له توابع تتبعُهُ وهو لها إمام أمـًّا كأمِّ الدماغ للجلدة التي تجمَعُهُ, و يقال أم الرأس أيضا ويُسَمُّون لـواء الجـيش و الرايـة التـي يجتمعون تحتها أمًّا .
فهذه السورة َ مفتَتَح القرآن والمبتدأ بإثباتها في المـصاحف والمبتـدأ بقراءتهـا في الـصلاة فلهـذا كانت أم القرآن.
قال أبو بكرالقفاّل : وقال قائلون اشـتِقاقاً مـن هـذا المعنـى سـميت أم الكتـاب و أم القـرآن لانتظامها و اشتمالها على ما يشتمل عليه عامة الـسور في القـرآن في أصـول الـدين و إخـلاص العبادة الذي هو حقيقة الإسلام.
و أما تسميتها بـالسبع المثاني فقد روى أبو هريرة عن النبي صـلى االله عليـه وسـلم قال : (الـسبع المثاني أم القرآن). وليس إذا سمي هذه السورة بالمثاني ما يَمنعُ أن يُـسمّى مـا يـلي المئـين المثاني.
و اختلفوا في تسمية الحمد بالمثاني فقال قوم إنما سميت بذلك لأنها تثنـى في كـل صـلاة، وقيل لأن االله استثنى هذه السورة فادخرها لهـذه الأمـة و لم يعطهـا أحـدا قـبلهم، و قيـل سُميت بذلك لأن الكلـمات مثنـاة فيهـا كـالرحمن الـرحيم وإيـاك وإيـاك ونعبـد ونـستعين والصِّراط وصِراط وعليهم وعليهم.
وقيل إنما سُميت بذلك لأنها نزلت مرتين لشرفها مرة بمكة ومرة بالمدينة شيعها من الملائكـة سبع مئة ألف، و قال قوم سُميت بذلك لأن أهل السموات يصلون بها كما نصلي بها أهـل الأرض و قيل سميت بذلك لأن السورة نصفان نصف الله و نصف لعبيده على ما في الخبر مـن قوله : (قسمت الصلاة بيني و بين عبدي).
و أما قوله : (السبع المثاني) فلأنهم أجمعوا على أنها سبع آيات و إن اختلفوا في تعيين الآيـات، وأما الوافية فليس فيها خبر مسندٌ، ولكن ُيروى عن سفيان بن عيينة أنه قـال : فاتحـة الكتـاب تسمى الوافية لأنها لا تُتَنصَّفُ ولا تجزئ الصلاة بنصفها، ومـا مـن سـورة إلا و يجـوز قـراءة نصفها في الصلاة إلا هذه .
و أما الكافية فلأنها تكفي في الصلاة وحدها و لا يكفي غيرها، و أما الأساس فقيل إن رجـلا أتى الشعبي فشكا وجع الخاصرة فقال : عليـك بأسـاس القـرآن، فقـال : ومـا أسـاس القرآن ؟ قال : فاتحة الكتاب : سمعت عبد االله بن َّ عبـاس غـير مـرة يقـول : لكـل شيء أسـاس وأساس القرآن الفاتحة .
و أما الصلاة فـروي في الخـبر أن رسـول االله صـلى االله عليـه وسـلم قـال: يقـول االله تعـالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) أي الفاتحة.
و أمَّا الشفاء فروى أبو سعيد الخدري أن رسول االله صلى االله عليه وسلم قال : (فاتحة الكتاب شفاء من كل سم ). و في بعض الروايات: (من كل داء إلّا السّام وهو الموت).