آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التيسير في التفسير للقشيري (29)

و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}غير االله وهذا باطل ولأن االله سبحانه قال : {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا}[يوسف : 40].
والقوم لم يعبدوا الأقوال وإنما عبدوا المسميات ولأن االله تعالى قال في قصة زكريا : 
{ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ}[مريم: 7] فأخبر أن اسمه يحي ثم خاطبه فقال يا يحي فلو كان الاسم غير المسمى وجب أن يكون المخاطب غير يحي ن وقد قال االله تعالى : {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[المائدة: 92، التغابن:12]فلو كان الاسم غير المسمى وجب أن يكون المأمور بطاعته غير االله وغير الرسول ولأن الرجل إذا قيل له ما اسمُ هذا فيقول زيد ثم يقول رأيت زيداً فلو كان الاسم غير المسمى وجب أن يكون رائياً غير زيدٍ ولأنه إذا قال زوَّجتُكَ فلانة أو بعتُكَ فلاناً فلو كان الاسم غير المسمى وجب أن لا يحل له وطئها لأنه زُوِّج بغيرها ولم يحل له العبد لأنه اشترى غيره.

وبعضهم قال وجدنا في اللغة ما كان على وزن فِعْل واستعمل منـه لفـظ مُفَعٍـل كانـا بمعنـى واحدٍ كجنسٍ ومُجنَّسٍ و مثل ومُمثَّلٍ وضِعفٍ ومُضعَّفٍ وكذلك اسم ومُسمَّى.
وقـــد قـــال ســـيبويه في أول كتابـــه: الفِعـــلُ أمثلـــةٌ أُخـــذت مـــن لفـــظ أحـــداث الأسماء. وإنما أراد به المسمَّيات لأن الأقوال لا أحداث لها و أبو عبيدة إمام في اللغة وقـد بينا أنَّ مذهبه كان أنَّ الاسم هو المسمى وكان يستدل عليه بقول لبيد :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكُمَا.

واعلم أنا لا ننكر أن يطلق الاسم و يكون المراد به التسمية مجازاً وعلى هذا ُيحمل شَغَبُ المخالفين على هذه المسألة في تعلقهم بظواهر إطلاقات الناس كما استدلوا به عند أنفسهم بقوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الأعراف: 180]وقوله َّ صلى االله عليه َّ وسلم : (إن الله تسعة وتسعين اسما).وقوله: (لي خمسة أسماء) . قالوا الواحد في نفسه لا يكون مُتعَدِّداً ومعنى ذلك ما ذكرنا أنَّ المراد منه التَّسميات عبر عنها بالأسماء.

ثم لو كان الاسم غير المسمَّى وجب أن تكون هذه الأسماء غير االله لأنه قال: (إن الله تسعة وتسعين اسماً) وقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وكذلك قولهم أن يكون الشيء له أسماء كثيرة و الولد يولد و ليس له اسم و السيد يغير اسم عبده، ومن قال النار لا يحترق لسانه وقد حصل اسمُهُ في فمه، و من قال العسل لم يجد الحلاوة في فمه، وقد وجد اسمه إن جميع ذل محمولٌ على التسمية دون الاسم، وقد يجوز أن يذكر الاسم بمعنى التسمية مجازاً.

وقولهم لو كان الاسم هو المسمى لجاز أن يقال أكلت اسم العسل وبعـت منـك اسـم الثـوب وعبدت اسم االله ولأن الاسم يثنّى و يجمع، أنَّ أهل اللغة قالوا الكـلام ثلاثـة أقـسام : اسـم وفعل وحرف.

فالجواب عن جميعه أنَّ إطلاق ذلك لا ُيجوزُ لأنَّهُ يُوهمُ، فأمـا عـلى التفـسير بـما يُزيـل الإبهـام فيجوز إطلاقه عند زوال اللبس و أهل اللغة إنـما تكلمـوا في الألفـاظ دون المعـاني و الحقـائق فكلامهم في تقسيم الأسماء و أنها تثنى و تجمع محمول عـلى أن مـرادهم التـسمية عـبروا عنهـا بالاسم ً مجازا وقولهم إنه يقالُ رأيت زيداً ولا يقالُ رأيت اسمه ويقال: سمعت اسمه ولا يقال سمعتُ عينه وذاته فالجواب عنه : 

أن هذا عُرفَ الناس اقترن به، فأوجب إطلاقه الإيهام، فأما عنـد التفـسير فيجـوز ذلـك عـلى الحقيقة ثم قولهم سمعتُ اسمه إنما يريدون التسمية و أما المعدوم فليس له اسـم عـلى الحقيقـة وإن عُبِّر عنه بما يكون ذكراً وتسميةً له . وباالله التوفيق .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية