واعلم أنّ خروجك منك جمع وزيادة يقينك وغاية الجمع بها يستولي الحق عليك، وهو المراد بخبر : (كنتُ سمعَهُ الذي يسمَعُ به)، ومن لم ينلها لم يكمل يقينه، وكان مغرورا واقفاً مع عبادته، ونظره إلى المكاشفات أسير إليها أي بحبِّه لها، كما أشار إلى ذلك بقوله :
يا أسيرَ الشَّهواتِ والعِباداتِ يا أَسيرَ المَقاماتِ والمُكاشفاتِ أَنْتَ مَغْرورٌ وَ أَنتَ مُشتغِلٌ بِكَ عنهُ أينَ الاشْتِغالُ بِهِ عنْكَ وَهُوَ عزَّ وجلَّ حاضرٌ ناظرٌ وهَوَ معَكُمْ أيْنَمَا كنتم في الدّثنيَا وَالآخِرَةِ.
يا أسير الشهوات والعبادات يا أسير المقامات والمكاشفات أنت مغرور بما أوقعك فيه الوهم والخيال، أنتَ مشتغل بك عنه تعالى، أين الاشتغال به تعالى عنك مع كونك أسيراً لغيره، وكلُّ من أحب شيئاً فهو أسير له، فرُبَّ واقف مع الشهوات وهذا حال أهل الغفلات، ورُبَّ واقف مع العبادات وهذا حال بعض أهل المعاملات، وربَّ واقف مع المقامات وهذا حال أهل الإرادات، ورُبَّ واقف مع الكشف وهذا حال أهل الترقيات، ورُبَّ واقف مع الله تعالى يستغرق به عن غيره، وهذا حال أهل العنايات.
وهو عز وجل حاضر معنا بعلمه ناظر إلينا بحكمه، وهو معكم بعلمه وقدرته وعنايته أين ما كنتم في الدنيا والآخرة.
إذا علمتَ ذلك أنَّه معك في سرّك وعلانيتك فكن أنتَ معه مستغرقاً، فباستغراقك في التوحيد لأنك :
إذا كنت معه حجبك عنك، وإذَا كُنتَ معكَ استعبَدَكَ لَهُ.
إذا كنتَ معه كذلك حجبكَ عنكَ أي أبعدك عن رؤيتك نفسك فتسلم من الشرك الخفي، وهذه حالة تسمى بالفنا في التوحيد وبحالة الجمع، وإذا كنتَ معك لعدم استغراقك استعبدك له، أي جعلك متعبدا له فيطلب منك عبادته. وهذه حالة الفرق كما مرَّ، وفيها يرجع العبد إلى عباداته وغيرها.
الإيمانُ خًروجَكَ عَنْهُ واليَقِينُ خُروجَكَ عَنْكَ.
الإيمان الكامل خروجك منه تعالى بأن لا تشارك بشيء من صفاته المختصة به، واليقين خروجك عنك، أي من حولك وقوتك ووجودك، لتشهد كمال حوله وقوته ووجوده في محل عجزك وضعفك، ازداد إيمانك ، نُقلتَ من حال إلى حال، وإذا قوي يقينك من مقام إلى مقام من ضعف إلى قوة إلى أن يكمل إيمانك وهو اليقين، وإذا كمل يقينك صارت الغيوب لك عينا، فيحصل الإيمان الكامل وإذا قوي يقينك بخروجك عنك وعن سائر الأغيار نُقلتَ من مقامٍ إلى مقام أي من معرفة إلى كشف، ومن كشف إلى مشاهدة، ومن مشاهدة إلى معاينة، ومن معاينة إلى اتصال، ومن اتصال إلى فناء، ومن فناء إلى بقاء، إلى غيرها من المقامات المعروفة لأهلها.