آخر الأخبار

جاري التحميل ...

محاسن المجالس أو بیان فی مقامات السادة الصوفیة (5)

الفصل الخامس : وأما الصبر فهو من منازل العوام


فصل وأما الصبر فهو من منازل العوام أيضا، لأن الصبر حبس النفس على المكروه وعقل اللسان عن شكواه، ومكابدة الغصص في تحمله، وانتظار الفرح عند عاقبته. وهذا في طريق الخاصة تجلد ومقاومة وجرأة ومنازعة، فإن حاصله راجع إلى كتمان الشكوى في تحمل الأذى بالبلوى، والحقيقة عند القوم الخروج عن الشكوى بالتلذذ والاستبشار باختيار المولى.

وقيل انه ثلاث مقامات مرتبة فوقها فوق بعض :

فالأولى : التصبر : وهو تحمل مشقة وتجرع غصة في التثبت على ما يجري من الحكم، وهذا هو الصبر لله، وهو صبر العوام.

والثاني : الصبر : وهو نوع سهولة تخفف على المبتلى بعض الثقل وتسهل عليه صعوبة الموارد. وهذا هو الصبر بالله، وهو صبر المريدين.

والثالث : الاصطبار : وهو التلذذ بالبلوى والاستبشار باختبار المولى، وهذا هو الصبر على الله، وهو صبر العارفين.

وقيل في في قول "أيوب" عليه السلام : {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} كان في كل جارحة من جسده حصة من البلاء، وكان قد أنس بذلك البلاء وحصل له إلتذاذ به كتلذذ الأجانب بالنعماء. فلما كان بعض الأيام سقطت دودة عن مكانها ففقد أثرها في ذلك المكان، فقال : {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} من فقد ما أنعمت به علي من لباس أنبيائك وأوليائك، وما أهلتني له من البلاء، فإن الحق تعالى ينعم بالابتلاء ويبتلي بالنعماء. وقديما قيل في ذلك :
فهل سمعتم بصب        سقيم قلب سليم
منعم بعذاب      معذب بنعيم
وقيل : 
ألفت الضنا حتى أنست بمُكثه     فلو زال جسمي بَكَتْهُ الجوارح

وحكي أن رابعة العدوية كانت مجتازة ذات يوم مع نفر من أصحابها لبعض حاجتها، فضرب رأسها ركن جدار فشجها فرضه وجرى الدم على وجهها وثيابها وبدنها وهي لا تلتفت إلى ذلك ولا تكترث به. فقال بعض أصحابها : أما تحسين بما جرى عليك وهذا الدم قد خضب وجهك وثوبك ؟! فالتفتت إليهم كالمستطرقة لذلك والمتيقظة من غفلتها، ثم أقبلت عليهم كالمعتذرة من غفلتها وقالت : يا إخواني التذاذي بموافقة مراده فيما جرى، شغلني عن الإحساس بما ترون من شاهد الحال.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية