السلام إسم من أسمائه ورد به نص القرآن الكريم واختلفوا في معناه فمنهم من قال ذو السلام، والسلام بمعنى السلامة، كاللذاذ بمعنى اللذاذة، والرضاع بمعنى الرضاعة، ومعناه يعود إلى تنزه الرب سبحانه عن الآفات وتقدسه عن سمات المخلوقات، وهو بمعنى القدوس، وقيل معناه ذو السلامة أي منه السلامة لعباده. ولهذا قيل إن معنى السلام: أنه سلم المؤمنين من عذابه.
وقيل إنه السلام أي ذو السلام على أوليائه : قال تعالى : {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ} وإذا قلنا إنه ذو السلام أي ذو السلامة من الآفات كان من صفات ذاته. وإذا قلنا إن المؤمنين يسلمون من عذابه كان من صفات أفعاله.
ومن آداب من عرف أنه السلام أن يسلم منه المؤمنون، كما ورد في الخبر عن سيد البشر صلوات الله عليه أنَّ (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)، وقيل لبعضهم : من البر ؟ قال : الذي لا يضمر الشر، ولا يؤذي الذر. وحكي عن بعضهم أنه رأى إنساناً يغتاب رجلاً فقال : هل غزوت العام الروم ؟ فقال : لا، فقال : وهل غزوت الترك والهند ؟ قال : لا، قال : وكيف تسلم منك الكفار ولم يسلم منك أخوك المسلم.
وقيل أن أبا يزيد البسطامي حضر الجامع يوماً فوقف بجنب شيخ ركز عصا له في الأرض فركز أبو يزيد عصاه. فوقعت على عصا الرجل وأسقطت عصاه فلما انصرف أبو يزيد من الجامع مضى إلى دار الرجل وقال : إنك احتجت ان تنحني إلى الأرض لتأخد عصاك فتعنيت من أجلي فاجعلني في حلٍّ.
وقيل إن عثمان بن عفان رضي الله عنه عرك أذن غلام له لِتَركِ أدب حصلَ منه، فقال الغلام : آه قد أوجعتني يا مولاي، فقال عثمان : خد أذني واعركها، فأبى الغلام فألحَّ عليه وقال : لَأِن تقتصَّ مني في الدنيا أحبّ إليَّ أن تقتصَّ منِّي في الآخرة، فعرك الغلام أذنه فقال عثمان : زد، فقال الغلام : يا أمير المؤمنين إن كنتَ تخاف من القصاص يوم القيامة فأنا أخافه أيضاً. وحسبك في هذا الباب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه اقتص من نفسه).
وسُئلَ بعضهم عن الورع فقال : هو أن تطالب نفسك بما يطالب به الشريك الشحيح شريكه فيناقشه في النقير والقطمير.
ومن آداب من تحقق بهذا الاسم أن يعود إلى مولاه بقلب سليم، والقلب السليم هو الخالص من الغِل والغش والحسد والحقد، ولا يضمر للمسلمين إلا كل خير وخلوص وكل صدق ونصح ويحسن الظن بكافتهم ويسيء الظن بنفسه، فيلاحظ احواله بعين الازدراء، وأقواله بعين الافتراء، يعتقد أنه شر الخلق. كما قيل أنه إذا رأى من هو أكبر منه سنًّا قال هذا خير مني لأنه أكثر مني طاعة وعرف الله قبلي، وإن رأى من هو دونه في السن قال : هو خير مني لأنه أقل مني معصية. وقد قال بعض المشايخ : إذا ظهر لك من أخيك عيب فاطلب له سبعين باباً من العذر، فإن اتضح لك عذر، وإلا فعد على نفسك باللوم وقل : بئس الرجل أنتَ حيث لم تقبل سبعين عذراً من أخيك.
وحكي عن معروف الكرخي أنه مر بإنسان يتصدق بماء وهو يقول : رحم الله من يشرب فأخد معروف ذلك الماء وشرب، فقيل له : أليس كنتَ صائماً ؟ قال : بلى كنتُ نويتُ أن أصوم ولكن قلت : دعوة مسلم لعلها تستجاب.
ومن أمارات من يكون سليم القلب أن ينصح المسلمين ولا ينطوي لهم على سوء وحيلة، ويدعو لهم بظهر الغيب، ويحسن إليهم ويظلم نفسه، وينتصف لهم ولا ينتصف منهم.
وحكي أن بهلولاً كان الصبيان يوذونه ويرمونه بالحجارة وهو يقول : إن كان ولا بد فارموني بالصغار من الأحجار لئلا احتاج إلى غسل الدم.
وقد قال بعض المشايخ : كُنْ في التصوف ذنباً ولا تكُن رأساً، فإن علل الرأس كثيرة. معناه : سَلِّم للناس التقدُّم عليك، يطِبْ لكَ العيش. فمن رضيَ بدون قدره رفعه الله فوق غايته.
واعلم أن الناس يرضون منك باليسير ولهذا قالوا : "كيلوا على الناس من هذه الرخيصة" يعني ما استتر به أشكالك من تسليمك لهم تقدمهم عليك. وقد رُويَ في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم ؟ قالوا يا رسول الله ومن هو أبو ضمضم ؟ قال : رجل كان إذا خرج من منزله قال : اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك).