وطلبَ ثالثاً بقوله : (وحقيقته جَامعَ عَوَالِمِي). الجمعُ بين الاقتداء بالظَّاهر والباطن، وبذلك تتنوَّرُ الحقيقة، ويظهر سِرّها. أو تقول : طلبَ أوَّلاً تحقيق مقام الإسلام، بشهود ظاهرهِ عليه السلامُ، وطلبَ ثانياً بتحقيق مقام الإيمان، شهود باطنه عليه السلامُ. وطلب ثالثاً تحقيق مقام الإحسانِ، بشهود حقيقته عليه السلامُ. أو تقولُ : طلبَ أوَّلاً شهوده عليه السلام من جهة مُلكِهِ . وثانياً : شهودهُ من جهَة مَلكوتِهِ. ثالثاُ : شهوده من جهة جَبروته، وهذا أحسن من ذلك إن شاء الله، لأنَّ الشيخ رضي الله عنه لمّا طلبَ الرجوع إلى البقاء بشهود الواسطة، طلب أن يكون رجوعه إليها بشهود مُلكها ومَلكوتها وجبروتها، ولذلك ضمَّ جبروت الواسطة، إلى جبروت المَوسوط، فقال (بِتَحْقِيقِ الحَقَّ الأوَّلِ) الباء للتَّعْدية، والحق الأوَّلُ : هو شهود الربوبية والاستغراق في الوحدانية. أو الباء للقَسَم، والحق الأول هو الله تعالى، إذ هو السَّابق على كل حقٍّ ومنه كان كل حقٍّ وأعودُ إلى المعنى : بتحقيق، أي مع تحقيق الحقِّ الأوَّل؛ وهو الجبروت الأصلي، فالباءُ بمعنى مع كقوله تعالى : {وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ}أي معه. فطلبَ أن تكون عوالمهُ منصرفةً إلى جبروت الواسطة مع النظر إلى جبروتِ الموسوطِ؛ الذي هو الأصل؛ وهو الحقّ الأوّلُ. والفرق بين جبروت الواسطة وجبروت الأصل أنَّ جبروت الواسطة محجوب بالحكمة، مُغَطَّى برداءِ العزِّ والقهرية، فظاهره حكمة، وباطنه قدرة، فمَن ضَمَّ جبروت الفرع إلى جبروت الأصل مطلقاً من غير مراعاة الحكمة ورداء القهرية وقعَ في الزَّنْدَقَةِ؛ لإبطالِه الأحكام والحِكمة، وخرقه رداء العِزَّة القهرية. ومن ضَمَّها مع مُراعاة الحكمة، ورداء الكبرياء والعزَّة كان إماماً كاملاً جامِعاً، يَصْلح للتربية والترقية، جعلنا الله منهم بمنِّه .