(يا أوَّل) قبلَ كلِّ شيءٍ. (يا آخِرُ) بعدَ كلِّ شيءٍ. (يا ظاهِرُ) فوقَ كلِّ شيءٍ. (يا بَاطِنُ) دونَ كلِّ شيءٍ. هكذا فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجهُ مَالِكٌ في المُوَطَّأ. ولفظُهُ : (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ) فعبَّر بالأوَّليّة عنِ القِدَمِ، وبالآخرية عن البقاءِ، وبالظهور عن التجلّي، وبالبُطون عن الحجاب بالحكمةِ وراءَ القهرية، فهوَ ظاهرٌ في بطونِهِ، باطنٌ في ظهورهِ، فاسمُه الظَّاهر يَمْحو ظُهورَ السِّوى ويبطنهُ. إذ لا ظاهر معه سبحانهُ وتعالى، واسمه الباطن، يقتضي ظهور تجلياته، ليكونَ باطناً بالنِّسبة إلى حسِّها الظَّاهر. فلو بقيَ على ما كان عليه من البُطونِ، ما عُرِفَ ولا عُبِدَ. وفي الحِكَم : (أظهرَ كُلَّ شَيءٍ بأنَّهُ الباطن، وطَوى كُلَّ شيءٍ بأنَّه الظَّاهر). وقال في آخر المناجاة : (كيفَ تخفى وأنتَ الظَّاهر، أم كيفَ تغيبُ وأنت الرقيب الحاضِرُ). والحاصل : أنَّ الحَصرَ في قوله تعالى : {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} يقتضي انفراده بالظهور دونَ غيره، لأنَّ التَّقدير : هو الأوَّلُ، هو الآخرُ، هو الظَّاهرُ، هو الباطن دون غيرِه. فكلُّ ما ظهرَ فَهُوَ هُوَ، وكل ما بطنَ فهُوَ هُوَ. أو تقول : هو ظاهر كل ما بطنَ، وباطن كل ما ظهرَ من الألوهية، إذ لا شيء مَعَهُ، أو تقولُ : هُوَ الظُّهورُ من جهةِ التعريف، والباطن من جهةِ التَّكثيف. إذ كُنْه الرُّبوبيَّة لا يُكَيَّفُ. أو تقول : ظاهرٌ بقدرته، باطنٌ بحِكمتهِ. أي سبب حِكمتهِ، فقد أظهرَ الحكمة، وأبطَنَ القدرةَ، وإليه أشارَ بعض العارفين بقوله :
لقد ظَهرَتْ فلاَ تخفَى على أَحَدٍ إلَّا علَى أَكْمَهٍ لا يُبْصِرُ القَمَرَا
لكنْ بَطَنَتْ بِمَا أَظْهَرَتْ مُحْتَجِباً وكيفَ يُبْصِرُمَنء بالعِزَّةِ اسْتَتَرَا