الشيخ المربي سيدي جمال الدين رضي الله عنه |
صحبة الشيخ المربي هو الركن الأساسي الذي يقوم عليه صرح التصوف ، ولا بد لكل من أراد سلوك الطريق من شيخ مرشد يدله عليه ويرشده إليه، يضع له العلامات وينبهه إلى المزالق والمخاطر، يبين له الدسم ويبعده عن السم، يستمع إلى أقواله ويتلقى من أحواله .والصحبة هي من أجلّ أركان الطريق ،أما آدابها فهي كثيرة، أساسها التوبة ثم التحقق بحال الأستاذ في كل حال، والتخلق بأخلاقه، والعمل بأعماله، والقول بأقواله، ولذلك لا تصح صحبة من لم يكن كاملاً عارفاً فاضلاً كبيراً في طريق الحق، متمسِّكاً بالسُنّة المحمدية، والسيرة المصطفويّة، مُبَرّأ من الزيغ والابتداع، شريف الخلال، طاهر الطباع، ليكون قدوةً لمن يصحبه، وللصحبة آثار.
وقد جاء في الخبر عن النبي الأبرّ صلى الله عليه وسلم : (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
ومن أعظم آداب الصحبة، صحة الاتباع بحُسْنِ الظن للأستاذ، والإستسلام لحكمته، والأخذ عنه بعد التحقق بأنه على السُنّة الُسنّية لم يبرح، معتقداً ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه والتابعون، نفعنا الله تعالى والمسلمين بشريف أنفاسهم وجليل نفحاتهم، ودائم بركاتهم.
وقد يصحبُ الخبُّ السيئُ الظنِّ العارفَ الكاملَ المحمديّ، ولكن يصحبه بقلبٍ فاسد، وعينٍ منتقدة، وظنٍّ قبيحٍ سيئ، فلا يزداد بصحبته إلا بُعداً عن الله، وعداوةً للحق وأهله.
وقد يصحب البرُّ الكريمُ الرجلَ الصالحَ، الذي لم يبلغ مرتبته ذلك العارف المحمديّ، ولكن يصحبه بقلبٍ سليمٍ ونيّةٍ طاهرةٍ واعتقادٍ جيّد وظنٍّ حسن، فلم يبرح حتى يفتح الله عليه، وينتظم ببركة نيَّتِهِ وطهارةِ قلبه، وحسنِ اعتقاده في عداد الصالحين الواصلين، وكذلك جرت عادة الله، ولا إله إلا الله.
وعلى هذا، فمن أهم الواجبات على الصاحب السالك أن يُحْسِنَ الظنَّ بأستاذه، ويعتقد به الخير والصلاح، وأن لا يتطرق بالنزغة الإبليسية الشبهة فيه، فمن كان كذلك لا يجيء منه شئ.
وقد جاء في كتاب الله تعالى قوله سبحانه : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚأُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، وقال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
ومن سِرِّ كلامِ الحقِّ تقدّسَتْ أسماؤه وهو العليم الخبير، عرفنا أنّ مُجَرَّد الصُحبة لا ينفع بل ننظر إذا رأينا للطالب الصاحب قلباً يفقه اللطائف وعيناً تُبصرُ العوارف، وأُذُناً تسمع المعارف، وسِرّاً ليس بغافل، ونفساً مُزَكّاة بالأخلاق النفيسة، غير مُضَمَّخة بلوث الدسيسة، هنالك نعتقد أنه سيُفتح عليه بإذن الله، وسيصل إلى حضرة القرب، ويندمج في أهل مرتبة الحب، ويصير له حصة عظيمة من مائدة القلب، وإن كان كما جاء في النص، له قلبٌ ولكن لا يفقه، وعينٌ ولكن لا تُبصر، وأُذُنٌ ولكن لا تسمع، فما هو إلا كالأنعام، بل هو أضلّ، وهو سمير الغفلة في خَيبةِ دسيسته والعياذ بالله تعالى، والله ولي المتقين.
وقد رأى العارفون أنّ الصُحْبة أول قنطرة يعبر منها السالك إلى حضرة الحق، لأنها تبدل خُلُقَ السالك السيء بالحسن، وتفرغ فيه جذوة الحال ، فتصلح بإذن الله كلِّهِ، قال تعالى : (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، أعني الذين لم يشب إيمانهم بظلم، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقفوا مع الحق وتخلَّصوا من ربقة الباطل ورجعوا بكلِّهم إلى الله، ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم، ومن أحب قوماً حُشِرَ معهم.
وهذا هو الباب الذي يدخل منه العاقل حضرة الله تعالى وبالتالي إلى بحبوحة السعادة والسلامة جعلنا الله منهم آمين.