اسم الكتاب: النفحات الإلهيه في سلوك كيفيه الطريقه المحمديه
اسم المؤلف: السمان محمد بن عبد الكريم،1189هـ
الحمد لله الذي طهّر قلوب أحبابه بمدد المشاهدات تطهيرا، وحَباهُم لمَّا اجتباهم إلى حضراته العلية فيضا وإنعاما كثيرا، وأدخلهم حِمَا عِزَّته وجعل كلا منهم على بعض معلوماته أميرا، وأطلعهم على تأثيرات الأسماء والصفات وكان ربك قديرا، أمدَّ بالعناية من شاء وكشف لهم براقع الجمال، وحقق من أراد بأسرار الهداية وخصَّهُم بطلب الكمال، ورفع عن بصائرهم حجاب الغين وأتحفهم بواردات الوصال، وصفاهم من الأدناس بالخلوات، وكانَ الحق لهم هادياً ونصيراً؛ فطارت أطيار هممهم إلى أوكار بروج المعالي، وحارت أفكار لواحيهم فيما أوتوه من العوالي، ونارت أسرار محبيهم وعاد كل منهم للغير قالي، وأشهدَهُم الحسن المطلق في مواطن المجالي، وكانَ البديع بعباده خبيراً بصيراً، جعلهم دعائم البيت المقدَّس وضناين المنزل الأنفس، وهُداة لكل طالب يروم من نارهم قبس، ورقي بهم إلى أعلى المقامات وحررهم من رِقِّ الأكوان تحريرا، سرَتْ أسرارهم في عالم الملكوت وصُرِّفوا في إنفاد أحكام الجبروت، واطَّلعوا على لَمَحٍ من لوامح اللاهوت، فهانت عليهم الصعاب لكمال ما عندهم من الاستعدادات، وأعطاهم ملكاً كبيراً.
أحمده وهو الحامد والحمد والمحمود والباطن في كل شيء والظاهر بالشهود، حَمْدَ فانٍ عن غيره باقٍ به، من وله بذكره في بُعده وقربه؛ ما طلع في السماء نجم منيرا، وعاد برقع الجمال حسيرا.
وأشكره وهو الشاكر والشكر والمشكور،الأوَّل في البطون والآخر في الظهور، شكر مَنْ علم أنه هو، وأن لا موجود إلاّ هو، دائماً أبدا ما حدَّثَ سميرا سميرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزيزا كبيرا، القائل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرً}، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ومولاه القائل : (مَنْ توكَّلَ على الله كَفَاه، ومَنْ توَجَّهَ إليه آواه، ومَنْ تاب وإليه أناب تولّأه وأدناه، وأَغناه عن سِواه، وَوَقاه سعيرا).
والصلاة والسلام على عبد الذات ورسول الأسماء والصفات، الأب الأول، ومن عليه المعول، عين الأعيان، ونفس الرحمن، ومن جعله الله نوراً يُهتدى به بشيراً ونذيراً، وعلى آله وأصحابه، الشاربين من صافي شرابه، والمتأدبين بكمال آدابه، والمجاهدين في الله حق جهاده، وسلم تسليما كثيرا.
وَبَعْدُ : فإنَّ طريق القوم صعبة المرام، إلّا على مَن وفَّقه الله منزلة الإقدام، إلاّ على مَن قرَّبه مولاه وتولاّه، وذلك لعدم صدق المُريدين السالكين، وخفاء المُرادين المسلِّكين، إلا القليل من القليل، توجهوا إلى المولى الجليل، بعزم صادق وتوفيق، وهمَّة عالية لقطع الطريق، فلما علمتُ صدقهم وأنَّهم لِمَا طلبوه أهلا، والمقصود سيكون عليهم سهلاً، شرعتُ لهم في جمع نبذة حاوية لأحوال الطريق، معينة لمن عمل بها بجدٍّ وتصديق ، ورتَّبتُها على مقدمة يحتاج إليها المريد السَّالك، وطريق سلوكه للمالك، وثمانية فصول، لأطفال الطريق والفحول. الفصل الأول : في التوبة، الفصل الثاني في أخد العهد، الفصل الثالث في الذكر وكيفياته وشروطه، الفصل الرابع في الخلوة وكيفية أكله وشربه فيها، الفصل الخامس في الخواطر التي ترد على القلب والدواء النافع في طردها، الفصل السّادس في الصحبة، الفصل السابع في الآداب مع الأستاذ، الفصل الثامن في الولاية لأولياء الله، وخاتمة في النصيحة للإخوان نفع الله بها من استمعها وأعان، وسميتُها ب (النفحات الإلهية في كيفية سلوك الطريقة المحمدية) والله أسأل أن ينفع بهالإخوان، ويجعلها موصلة من تأمَّلها لحضرة الرحمان، إنه على كل شيء قدير وإليه المصير.