وقد غلط في طريق الخلوة والأربعينية قوم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ودخل عليهم الشيطان، وفتح عليهم بابًا من الغرور، ودخلوا الخلوة على غير أصل مستقيم من تأدية حق الخلوة بالإخلاص، وسمعوا أن المشايخ والصوفية كانت لهم خلوات وظهرت لهم وقائع وكوشفوا بغرائب وعجائب، فدخلوا الخلوة لطلب ذلك، وهذا عين الاعتلال، ومحض الضلال، وإنما القوم اختاروا الخلوة والوحدة لسلامةِ الدين، وتفقد أحوال النفس، وإخلاص العمل لله تعالى.
فمن دخل الخلوة معتلًّا في دخوله دخل عليه الشيطان، وسول له أنواع الطغيان، وامتلأ من الغرور والمحال فظن أنه على حسن الحال، فقد دخلت الفتنة على قوم دخلوا الخلوة بغير شروطها، وأقبلوا على ذكر من الأذكار، واستجموا نفوسهم بالعزلة عن الخلوة، ومنعوا الشواغل من الحواس كفعل الرهابين والبراهمة والفلاسفة والوحدة في جمع الهم لها تأثير في صفاء الباطن مطلقًا، فما كان من ذلك بحسن سياسة الشرع وصدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتج تنوير القلب والزهد في الدنيا، وحلاوة الذكر، والمعاملة لله بالإخلاص من الصلاة والتلاوة وغير ذلك، وما كان من ذلك من غيرِ سياسة الشرع ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتج صفاء في النفس يستعان به على اكتساب علوم الرياضة مما يعتني به الفلاسفة والدهريون -خذلهم الله تعالى- وكلما أكثر من ذلك بعد عن الله، ولا يزال المقبل على ذلك يستغويه الشيطان بما يكتسب من العلوم الرياضية، أو بما قد يتراءى له من صدق الخاطر وغير ذلك حتى يركن إليه الركون التام، ويظن أنه فاز بالمقصود، ولا يعلم أن هذا الفن من الفائدة غير ممنوع من النصارى والبراهمة، وليس هو المقصود من الخلوة بقول بعضهم: إن الحق يريد منك الاستقامة، وأنت تطلب الكرامة.
عوارف المعارف