القائمُ معَ المُجَاهدةِ مَوْجُودٌ والقَائمُ مَعَ المِنَّةِ مَفْقُودٌ.
القائم مع المجاهدة لكونه ناظر بالشريعة إلى أعماله موجود بالله، والقائم مع المنَّة، لكونه قائماً بحقوق الربوبيّة غير ناظر إلى أعماله، مفقود عمَّا سواه تعالى لفنائه باستغراقه به تعالى.
الأَعْمَالُ مُتَعَلِّقَةٌ بالشَّرْعِ، والتَّوَكُّلُ مُتَعَلِّقٌ بالإيمانِ، والتَّوحيدُ مُتَعَلِّقٌ بالكَشْفِ، والنَّاسُ تَائِهُونَ عَنِ الحَقِّ بِالعَقْلِ، وَعَنِ الآخِرَةِ بِالهَوَى.
الأعمال المتعلِّقة بكمال ذات العبد الظاهرة كالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج متعلِّقة بالشرع الشَّريف إلاّ أنَّه جاء بالتكليف بها، والتوكل ونحوه مما يتعلَّق بكمال الذات الباطنة كالزهد والورع والصبر والخوف والرجاء متعلق بالإيمان بإنَّ الله فعَّالٌ لِمَا يريد. والتوكُّل هو الاعتماد على الله وقطع النَّظر عن الأسباب مع تهيأتها، ويقال هو ترك السعي فيما لا تسعه قدرة البشر، ويقال غير ذلك كما بيَّنتُهُ مع فوائدَ في شرح رسالة القشيري.
والتوحيد هو حكمك وعلمك بوحدانيَّة الله تعالى متعلق بالكشف، أي بكشف الله عن بصيرة العبد الغطاء، أعني حجب الكائنات بأن يفنى عنها ويراها مندرجة في أنوار العظمة الربانيّة، والكشف ثلاث : كشف نفس، وكشف قلب، وكشف سرّ وهو المراد هنا، ويُعبَّرُ عن الأول بعلم اليقين، وعن الثاني بعين اليقين، وعن الثالث بحقِّ اليقين، والثلاثة علوم لأنها أقسام العلم، لأنَّ العلم باعتبار معلومه إن تعلَّق بالذات الظاهرة فعلم اليقين، أو بالذات الباطنة فعين اليقين، أو بالله تعالى فحق اليقين.
واعلم أن لهم مع الكشف محاضرة ومكاشفة ومعاينة ومشاهدة وكلها تتعلَّقُ بالتوحيد وقد بيَّنتها في الشرح المذكور، والناس تائهون أي حائرون عن الحق تعالى بطلبهم له بالعقل الطبيعي الجثماني لأنَّه بانفراده محجوب عن التجليات الإلهية والمعارف الربانية لقصوره عمَّا في الصُّور الظاهرة من حُسنٍ وقبيح وخطأ وصواب، خلاف العقل الروحاني النوراني فإنه مَلَكي لا تيه معه، وتائهون عن الآخرة المرضية بطلبهم بالهوى، أي هوى النفس وحظها لأنها إنما تنال بالمجاهدة الشرعية.