كَمَ بَيْنَ مَا يكونُ بِأمرِه وبَيْنَ مَا يَكُونُ بِهِ
كم بين ما يكون بأمره تعالى من أنواع العبادات والمجاهدات التكليفية، وبين ما يكون به تعالى من أنواع المنن والنفحات الربانية.
إن كنتَ بِأَمْرِه خَضَعَتْ لَكَ الأسبابُ وإن كنْتَ بِهِ تَضَغْضَغَتْ لَكَ الأَكْوَانُ.
إن كنتَ بأمرهِ تعالى بالعبادة قائماً بها خضعت لك الأسباب أي يسيِّرُها الله لك، قال الله تعالى :{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}وقال تعالى : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }وإن كنتَ به تعالى بأن لم تشهد غيره تضعضعت أي خضعت وذلت لك الأكوان فيا عجبَ لشيء فها عن مشاهدة مكونها فأهل الطريق إما عالم بالله فيشهد الأشياء بالله، وإما عالم بالأحكام وهو السالك بالنظر والاستدلال فيشهد الله بالأشياء، فالأول من الصديقين والشهداء ولائه الجمع، والثاني من الصالحين ولائه الفرق، ولما كانت مقامات السالك بعد التوبة متفاوتة بيَّنها فقال :
أوَّلُ المقَاماتِ الصَّبْرُ على مُرَادِهِ وأَوْسَطُهاَ الرٍّضَى بمُرَادِهِ وآخِرُهَا أنْ تَكُونَ بِمُرَادِهِ.
أوَّلُ المقامات الصبر هو حبس النفس على مراده تعالى، ويقال هو حمل النفس على مشاق التكليف لطلب الجزاء عليه، وأوسطها الرضا وهو الطمأنينة بمراده تعالى أي من حيث إرادته، أو أن تطلب الرضا به فلا ينافيه حرمة الرضا بالكفر ونحوه، وآخرها أن تكون أنت بمراده تعالى فتكون عارفا، فالعبد إذا صبر وإذا رضي كان بمراد الله تعالى فيفنى عن فعله وقوله وقوَّته بما شاهده من الحضرة الربانية، لأنَّ من فنى عن ذلك بقي بالله فكان سمعه وبصره وغيرهمان مما في خبر : (كنتُ سمعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ)، ومقام الفنا مقام الخواص وهو مقام العبودية، فالصابر في مقام العبادة والراضي في مقام العبودية، وكل منهما يرى له وجودا وعملا، فالعارف في مقام العبودية ولا يرى له ذلك لأنه قائم بالله لله لا بنفسه لنفسه ولا بنفسه لله.