آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من أنوار تجليات الملك الخلاق / سيدي محمد الحراق

من أنوار تجليات الملك الخلاق / سيدي محمد الحراق

أنهي لكريم عقلكم المنير، إذ كلكم والحمد لله من ذوي التقديم والتصدير، فلا يخفى عنكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن مرآة أخيه) وإن ذلك عند أهل الظاهر معناه : أن المؤمن تنطبع في باطنه أحوال أخيه في الله وصورته وعوالمه كلها حتى كأنه وإن غاب عنه بمنزلة الحاضر معه من شدة اتصال أرواحهما في عالم الغيب الذي ليس فيه حجاب الكثائف وذلك الاتصال ناشئ عن كون الله نظر إليهما نظرة متحدة أفضت إلى ائتلافهما. وقد أشار لهذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لأصحابه : (والله لا يغيب عني سجودكم ولا ركوعكم ولا خشوعكم) أو كما قال عليه السلام.

وأنتم يا إخواننا وأحباءنا وإن غبتم عنَّا فلا والله ما غِبْنا عنكم، وإنَّا لنرى والحمد لله أشخاصكم وصوركم في قلوبنا حتى أنه ربما كشف عنها في بعض الأحوال للعيان ونفرح بما نعلمه من اجتهادكم وقوتكم في الله والعكوف على ذكره، والاجتماع على ذلك، فنحبكم، أحبكم الله أن تتراصوا في الذكر.

ومعنى التراص فيه، أن تكونوا فيه بقلب واحد ولسان واحد، وأن تبدؤوا الذكر بترتيل ولا تسرعوا فيه حتى يرد الإسراع من القلب عند توغله في الحضور، وأن تثبتوا على أوصاف العبودية لتستمدوا من أوصاف الربوبية لأن الله تعالى جعل الأضداد كامنة في الأضداد، فالعلو كامن في الحنو، والعز كامن في الذل، والحضور معه كامن في الغيبة عمن سواه.

ثم أعلمكم يا إخواننا، أن هذه اللطيفة النورانية التي اختصر الله بها الإنسان أصلها في القلب مطلسم عليها بدوائر الحس المجتلبة من عالم الجسم، وبحسب إزالة تلك الدوائر عنها يقع الإدراك ويتسع العلم ويقوى مدد النور لأنه لا نهاية له، وذلك بمنزلة العين التي يُزال عنها ما بها من العشب المانعة لها من قوة الجري إلاَّ أن الله جعل الناس في ذلك متفاوتين، فمنهم من يقوى على إزالة ذلك ومنهم من يضعف عنه.

والقادرون على أالإزالة متفاوتون، فمنهم من يزيل عنه الدوائر الحسية المقدار الذي يفيض به ذلك النور عن جوانب القلب فيكون سريع الإدراك، ولكن لا يدرك إلاّ الأمور الجلية من عالم الظاهر، ومنهم من يزيل عنه المقدار الذي يصل به ذلك النور لعالم الدماغ فيكون نوري الإدراك خائضاً في بحر المعاني اللطيفة من عالم الظاهر. وهذا منتهى ما تصل إليه تصفية أهل الظاهر لوقوفهم مع الكثائف لحصرهم النظر فيها.

ومن الناس من يقويه الله بكثرة الأذكار والانحياز إلى طائفة الذاكرين وصحبة المشايخ حتى يخرق عادة نظره في الكثائف بالانتقال عنها، حتى يفيض ذلك النور عن دوائر الدماغ فيسبح في عالم النور ويخرج من ضيق الوجود إلى فضاء الشهود، وكل مكون من الدارين كثيف يتعين على المريد أن يديم ذكر الله حتى يخرج عقله عن النظر إليه. فدوموا بارك الله فيكم، على ما أنته عليه، وشدوا أيديكم على ذكر ربكم، [وانسوا كل شيء به]، وانسوا أيضاً الذكر بالمذكور، وكل ما تجدون عقلكم يقف فيه فانقلوا نظره عنه حتى تروا شيئاً لا يجد عقلاً يقف فيه لكونه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

من أنوار تجليات الملك الخلاق في تآليف سيدي محمد الحراق

بواسطة محمد بن العربي الرباطي الدلائي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية